عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ، «أَنَّ بِلَالًا أَوْ أُسَامَةَ كَانَ رَافِعًا ثَوْبًا يَسْتُرُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَرِّ» . وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِدَامَةُ، فَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، كَالِاسْتِظْلَالِ بِحَائِطٍ.
[مَسْأَلَة تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَاصْطِيَادِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ]
(٢٣٣٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلَا يَصِيدُهُ، وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، حَلَالًا وَلَا حَرَامًا) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِي تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَاصْطِيَادِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] . وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ إلَى الصَّيْدِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ، وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟» . وَفِي لَفْظٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ: «فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْته» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ. وَسُؤَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ: (هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟) يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِذَلِكَ لَوْ وُجِدَ مِنْهُمْ. وَلِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، فَحُرِّمَ، كَنَصْبِهِ الْأُحْبُولَةَ.
[فَصْلٌ لَا يَحِلّ لِلْمُحْرِمِ الْإِعَانَة عَلَى الصَّيْد]
(٢٣٤٠) فَصْلٌ: وَلَا تَحِلُّ لَهُ الْإِعَانَةُ عَلَى الصَّيْدِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «ثُمَّ رَكِبْت، وَنَسِيت السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْت لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، قَالُوا: وَاَللَّهِ لَا نُعِينُك عَلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَاسْتَعَنْتهمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَ الْإِعَانَةِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مُحَرَّمٍ، فَحُرِّمَ، كَالْإِعَانَةِ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ.
[فَصْلٌ دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا عَلَى الصَّيْدِ فَأَتْلَفَهُ]
(٢٣٤١) فَصْلٌ: وَيَضْمَنُ الصَّيْدَ بِالدَّلَالَةِ، فَإِذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا عَلَى الصَّيْدِ فَأَتْلَفَهُ، فَالْجَزَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْمُحْرِمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَبَكْرٍ الْمُزَنِيّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ، فَلَا يَضْمَنُ بِالدَّلَالَةِ، كَالْآدَمِيِّ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِ أَبِي قَتَادَةَ: «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟» وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إتْلَافِ الصَّيْدِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ نَصَبَ أُحْبُولَةً، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَا نَعْرِفُ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute