[فَصْل إنْ انْقَطَعَتْ رَائِحَةُ ثَوْبِ الْمُحْرِمِ]
(٢٣٥٥) فَصْلٌ: وَإِنْ انْقَطَعَتْ رَائِحَةُ الثَّوْبِ، لِطُولِ الزَّمَنِ عَلَيْهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ صُبِغَ بِغَيْرِهِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ لَا يَفُوحُ لَهُ رَائِحَةٌ إذَا رُشَّ فِيهِ الْمَاءُ، فَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ، لِزَوَالِ الطِّيبِ مِنْهُ. وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ. وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ، إلَّا أَنْ يُغْسَلَ وَيَذْهَبَ لَوْنُهُ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ فِيهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ رَائِحَتِهِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ بِالْكُلِّيَّةِ. فَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ فِي الْحَالِ، لَكِنَّ كَانَ بِحَيْثُ إذَا رُشَّ فِيهِ مَاءٌ فَاحَ رِيحُهُ، فَفِيهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَيِّبٌ، بِطِيبٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ رَائِحَتَهُ تَظْهَرُ عِنْدَ رَشِّ الْمَاءِ فِيهِ، وَالْمَاءُ لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الصِّبْغِ الَّذِي فِيهِ. فَأَمَّا إنْ فَرَشَ فَوْقَ الثَّوْبِ ثَوْبًا صَفِيقًا يَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِالْجُلُوسِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا ثِيَابَ بَدَنِهِ، فَفِيهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ الَّذِي عَلَيْهِ، كَمَنْعِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَدَنِهِ.
[مَسْأَلَة الْعُصْفُرَ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَشَمِّهِ وَلَا بِمَا صُبِغَ بِهِ لِلْمُحْرِمِ]
(٢٣٥٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِمَا صُبِغَ بِالْعُصْفُرِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُصْفُرَ لَيْسَ بِطِيبٍ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَشَمِّهِ، وَلَا بِمَا صُبِغَ بِهِ.
وَهَذَا قَوْلُ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ عَائِشَةَ، وَأَسْمَاءَ، وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُنَّ كُنَّ يُحْرِمْنَ فِي الْمُعَصْفَرَاتِ. وَكَرِهَهُ مَالِكٌ إذَا كَانَ يَنْتَفِضُ فِي بَدَنِهِ، وَلَمْ يُوجِبْ فِيهِ فِدْيَةً. وَمَنَعَ مِنْهُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَشَبَّهُوهُ بِالْمُوَرَّسِ وَالْمُزَعْفَرِ؛ لِأَنَّهُ صِبْغٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، فَأَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ مِنْ الثِّيَابِ» وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ، مِنْ مُعَصْفَرٍ، أَوْ خَزٍّ، أَوْ حُلِيٍّ، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصٍ، أَوْ خُفٍّ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي الْمَنَاسِكِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: «كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُحْرِمُ فِي الْمُعَصْفَرَاتِ» . وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ، فَلَمْ يُكْرَهْ مَا صُبِغَ بِهِ، كَالسَّوَادِ، وَالْمَصْبُوغِ بِالْمَغْرَةِ، وَأَمَّا الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ فَإِنَّهُ طِيبٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[فَصْلٌ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمُمَشَّقِ لِلْمُحْرِمِ]
(٢٣٥٧) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِالْمُمَشَّقِ، وَهُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْمَغْرَةِ؛ لِأَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِطِينٍ لَا بِطِيبٍ، وَكَذَلِكَ الْمَصْبُوغُ بِسَائِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute