الْمَوْضِعُ الثَّانِي: إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ بِإِذْنِهَا، فَإِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً، وَلَا يُرْجَمُ إنْ كَانَ ثَيِّبًا، وَلَا يُغَرَّبُ إنْ كَانَ بِكْرًا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ، فَهُوَ زَانٍ، حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّانِي بِجَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ، فَكَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فِي مَمْلُوكَتِهَا. وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَعَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، أَنَّهُ كَوَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ، سَوَاءٌ أَحَلَّتْهَا لَهُ، أَوْ لَمْ تُحِلَّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا، فَأَشْبَهَ وَطْءَ جَارِيَةِ أُخْتِهِ، وَلِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لِوَطْءِ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ شُبْهَةً، كَإِبَاحَةِ سَائِرِ الْمُلَّاكِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنِ، إنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ غُرْمُ مِثْلِهَا، وَتَعْتِقُ، وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ، فَعَلَيْهِ غُرْمُ مِثْلِهَا وَيَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، أَنَّ «رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُنَيْنٍ، وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَرُفِعَ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ، فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيك بِقَضِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَك، جَلَدْنَاك مِائَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَك، رَجَمْنَاك بِالْحِجَارَةِ. فَوَجَدُوهَا أَحَلَّتْهَا لَهُ، فَجَلَدَهُ مِائَةً.» وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ، فَهَلْ يَلْحَقُهُ النَّسَبُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، يَلْحَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، فَلَحِقَ بِهِ النَّسَبُ، كَوَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَالْأُخْرَى، لَا يَلْحَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، أَشْبَهَ الزِّنَى الْمَحْضَ.
[فَصْلٌ أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا]
(٧١٦٦) فَصْلٌ: وَلَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهَةٍ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَعَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ «، أَنَّ امْرَأَةً اُسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. قَالَ: وَأُتِيَ عُمَرُ بِإِمَاءٍ مِنْ إمَاءِ الْإِمَارَةِ، اسْتَكْرَهَهُنَّ غِلْمَانٌ مِنْ غِلْمَانِ الْإِمَارَةِ، فَضَرَبَ الْغِلْمَانَ، وَلَمْ يَضْرِبْ الْإِمَاءَ وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَتْ، فَقَالَتْ: إنِّي كُنْت نَائِمَةً، فَلَمْ أَسْتَيْقِظْ إلَّا بَرْجَلٍ قَدْ جَثَمَ عَلَيَّ. فَخَلَّى سَبِيلَهَا، وَلَمْ يَضْرِبْهَا. وَلِأَنَّ هَذَا شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ بِالْإِلْجَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَغْلِبَهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ بِالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute