الْمَالَ فِي الْمُحَارَبَةِ، قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا، وَيُنْتَظَرُ بُرْؤُهُ، فَإِذَا بَرِئَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَدَّانِ.
وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقِصَاصُ فِي الْقَطْعِ دُونَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي الْمُحَارَبَةِ حَدٌّ مَحْضٌ، وَلَيْسَ بِقِصَاصٍ، وَالْقَتْلُ فِيهَا يَتَضَمَّنُ الْقِصَاصَ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَ الْقَتْلُ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَلَوْ فَاتَ الْقَطْعُ، لَمْ يَجِبْ لَهُ بَدَلٌ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَطْعِ فِي الْمُحَارَبَةِ، فَقَطَعَ يَدَهُ قِصَاصًا، فَإِنَّ رِجْلَهُ تُقْطَعُ. وَهَلْ تُقْطَعُ يَدُهُ الْأُخْرَى؟ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ بِالْقِصَاصِ قَدْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْقَطْعَ بِالْمُحَارَبَةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ فِيهِ، لَمْ يُقْطَعْ أَكْثَرُ مِنْ الْعُضْوِ الْبَاقِي مِنْ الْعُضْوَيْنِ اللَّذَيْنِ اُسْتُحِقَّ قَطْعُهُمَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ ذَهَبَ بِعَارِضٍ حَادِثٍ، فَلَمْ يَجِبْ قَطْعُ بَدَلِهِ، كَمَا لَوْ ذَهَبَتْ بِعُدْوَانٍ أَوْ بِمَرَضٍ. وَعَلَى هَذَا لَوْ ذَهَبَ الْعُضْوَانِ جَمِيعًا، سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْقَطْعِ قِصَاصًا سَابِقًا عَلَى مُحَارَبَتِهِ، أَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ غَيْرَ الْعُضْوِ الَّذِي وَجَبَ قَطْعُهُ فِي الْمُحَارَبَةِ، مِثْلَ أَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي يَسَارِهِ بَعْدَ وُجُوبِ قَطْعِ يُمْنَاهُ فِي الْمُحَارَبَةِ، فَهَلْ تُقْطَعُ الْيَدُ الْأُخْرَى لِلْمُحَارَبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَطْعِ يُسْرَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ، إنْ قُلْنَا: تُقْطَعُ ثَمَّ. قُطِعَتْ هَاهُنَا وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ سَرَقَ وَأَخَذَ الْمَالَ فِي الْمُحَارَبَةِ، قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِأَسْبَقِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ الْمُحَارَبَةُ سَابِقَةً، قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، وَحُسِمَتَا. وَهَلْ تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ لِلسَّرِقَةِ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ فَإِنْ قُلْنَا: تُقْطَعُ. اُنْتُظِرَ بُرْؤُهُ مِنْ الْقَطْعِ لِلْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَدَّانِ. وَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ سَابِقَةً، قُطِعَتْ يُمْنَاهُ لِلسَّرِقَةِ، وَلَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ حَتَّى تَبْرَأَ يَدُهُ. وَهَلْ تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ لِلْمُحَارَبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
[فَصْلٌ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ]
(٧٣٣٥) فَصْلٌ: وَإِنْ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ، قُتِلَ حَتْمًا، وَلَمْ يُصْلَبْ، وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ؛ لِأَنَّهُمَا حَدَّانِ فِيهِمَا قَتْلٌ، فَدَخَلَ مَا دُونَ الْقَتْلِ فِيهِ، وَلَمْ يُصْلَبْ؛ لِأَنَّ الصَّلْبَ مِنْ تَمَامِ حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مَعَ الْقَتْلِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَهَذَانِ حَدَّانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَصِلٌ عَنْ صَاحِبِهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا تَدَاخَلَا. وَإِنْ قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ جَمَاعَةً، قُتِلَ بِالْأَوَّلِ حَتْمًا وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتُ أَوْلِيَائِهِمْ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ اُسْتُحِقَّ بِقَتْلِ الْأَوَّلِ، وَتَحَتَّمَ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ، فَتَعَيَّنَتْ حُقُوقُ الْبَاقِينَ فِي الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ مَاتَ.
[فَصْلٌ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَطَعَ عَلَيْهِمَا الطَّرِيقَ وَعَلَى فُلَانٍ وَأَخَذَ مَتَاعَهُمْ]
(٧٣٣٦) فَصْلٌ: إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَطَعَ عَلَيْهِمَا الطَّرِيقَ وَعَلَى فُلَانٍ، وَأَخَذَ مَتَاعَهُمْ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا خَصْمَيْنِ لَهُ بِقَطْعِهِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى فُلَانٍ، وَأَخَذَ مَتَاعَهُ. قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَمْ يَسْأَلْهُمَا الْحَاكِمُ: هَلْ قَطَعَ عَلَيْكُمَا مَعَهُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ لَا يَسْأَلُهُمَا مَا لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ عَادَ الْمَشْهُودُ لَهُ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ عَلَيْهِمَا الطَّرِيقَ، وَأَخَذَ مَتَاعَهُمَا، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَدُوًّا لَهُ بِقَطْعِهِ الطَّرِيقَ عَلَيْهِ. وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَؤُلَاءِ عَرَضُوا لَنَا فِي الطَّرِيقِ، وَقَطَعُوهَا عَلَى فُلَانٍ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُمَا خَصْمَيْنِ بِمَا ذَكَرَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute