وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْأَدَاءَ وَالنَّذْرَ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُمْ قَالُوا: أَطْعِمْ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُمْ. وَرُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ وَقْتِهِ إذَا لَمْ يُوجِبْ الْقَضَاءَ، أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ، كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ.
[فَصْلُ أَخَّرَ الْقَضَاء لِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانَانِ أَوْ أَكْثَرُ]
(٢٠٨٧) فَصْلٌ: فَإِنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانَانِ أَوْ أَكْثَرُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ فِدْيَةٍ مَعَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ التَّأْخِيرِ لَا يَزْدَادُ بِهَا الْوَاجِبُ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ سِنِينَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ.
[فَصْلُ مَاتَ الْمُفَرِّطُ بَعْدَ أَنَّ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ]
(٢٠٨٨) فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ الْمُفَرِّطُ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ وَاحِدٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ امْرَأَةٍ أَفْطَرَتْ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ آخَرُ، ثُمَّ مَاتَتْ؟ قَالَ: يُطْعَمُ عَنْهَا. قَالَ لَهُ السَّائِلُ: كَمْ أُطْعِمُ؟ قَالَ: كَمْ أَفْطَرَتْ؟ قَالَ: ثَلَاثِينَ يَوْمًا. قَالَ اجْمَعْ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، وَأُطْعِمْهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأُشْبِعْهُمْ. قَالَ: مَا أُطْعِمُهُمْ؟ قَالَ خُبْزًا وَلَحْمًا إنَّ قَدَرْت مِنْ أَوْسَطِ طَعَامِكُمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِإِخْرَاجِ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ، أَزَالَ تَفْرِيطَهُ بِالتَّأْخِيرِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرَانِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ بَعْدَ التَّفْرِيطِ بِدُونِ التَّأْخِيرِ عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ يُوجِبُ كَفَّارَةً، وَالتَّأْخِيرُ بِدُونِ الْمَوْتِ يُوجِبُ كَفَّارَةً، فَإِذَا اجْتَمَعَا وَجَبَتْ كَفَّارَتَانِ، كَمَا لَوْ فَرَّطَ فِي يَوْمَيْنِ.
[فَصْلُ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ مِمَّنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ]
(٢٠٨٩) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ، مِمَّنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ، فَنَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ، وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ الْفَرْضِ حَتَّى يَقْضِيَهُ، يَبْدَأُ بِالْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ صَامَهُ يَعْنِي بَعْدَ الْفَرْضِ. وَرَوَى حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا، وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ حَتَّى يَصُومَهُ» . وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَدْخُلُ فِي جُبْرَانِهَا الْمَالُ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّطَوُّعُ بِهَا قَبْلَ أَدَاءِ فَرْضِهَا، كَالْحَجِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute