للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهَا لَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا إلَّا بِصَدَاقٍ، لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ، فَسَقَطَ لِجَهَالَتِهِ، وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَالتَّفْوِيضُ الصَّحِيحُ، أَنْ تَأْذَنَ الْمَرْأَةُ الْجَائِزَةُ الْأَمْرُ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ، أَوْ بِتَفْوِيضِ قَدْرِهِ، أَوْ يُزَوِّجَهَا أَبُوهَا كَذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ أَبِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَهْرًا، بِغَيْرِ إذْنِهَا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ التَّفْوِيضُ إلَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَفْوِيضُهُ. فَإِذَا طَلُقَتْ الْمُفَوِّضَةُ الْبُضْعَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ.

نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الْوَاجِبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَيُوجِبُ نِصْفَهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، كَمَا لَوْ سَمَّى مُحَرَّمًا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْمُتْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ٢٣٦] فَخَصَّهُمْ بِهَا فَيَدُلُّ أَنَّهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِحْسَانِ وَالتَّفَضُّلِ، وَالْإِحْسَانُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ تَخْتَصَّ الْمُحْسِنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ.

وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] . أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢٤١] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩] . وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي نِكَاحٍ يَقْتَضِي عِوَضًا، فَلَمْ يُعْرَ عَنْ الْعِوَضِ، كَمَا لَوْ سَمَّى مَهْرًا. وَأَدَاءُ الْوَاجِبِ مِنْ الْإِحْسَانِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا.

[فَصْلٌ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

(٥٦٠٠) فَصْلٌ: فَإِنْ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهَا نِصْفُ مَا فَرَضَ لَهَا، وَلَا مُتْعَةَ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ، يَسْقُطُ الْمَهْرُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَرِيَ عَنْ تَسْمِيَتِهِ، فَوَجَبَتْ بِهِ الْمُتْعَةُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] . وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ يَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ، فَتُنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَهُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>