عَنْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ تَتِمُّ الْحَجَّةُ؟ فَقَالَ: مَا يَكُونُ الْحَجُّ عِنْدِي إلَّا مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى سُقُوطِهِ عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا تَفِي تَرِكَتُهُ بِهِ وَبِالْحَجِّ، فَإِنَّهُ إذَا أَسْقَطَهُ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ، فَمَعَ الْمُعَارِضِ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمُؤَكَّدِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ الْمُعَيَّنِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِتَأَكُّدِهِ، وَحَقَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ.
[فَصْل أَوْصَى بِحَجِّ تَطَوَّعْ فَلَمْ يَفِ ثُلُثه بِالْحَجِّ مِنْ بَلَده]
(٢٢٤٢) فَصْلٌ: وَإِنْ أَوْصَى بِحَجِّ تَطَوُّعٍ فَلَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ، حُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ، أَوْ يُعَنْ بِهِ فِي الْحَجِّ. نَصَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ: التَّطَوُّعُ مَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ كَانَ، وَيُسْتَنَابُ عَنْ الْمَيِّتِ ثِقَةٌ بِأَقَلِّ مَا يُوجَدُ، إلَّا أَنْ يَرْضَى الْوَرَثَةُ بِزِيَادَةٍ، أَوْ يَكُونَ قَدْ أَوْصَى بِشَيْءٍ، فَيَجُوزُ مَا أَوْصَى بِهِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ.
[فَصْل يُسْتَحَبّ أَنَّ يَحُجّ الْإِنْسَان عَنْ أَبَوَيْهِ إذَا كَانَا مَيِّتِينَ أَوْ عَاجِزِينَ]
(٢٢٤٣) فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجُّ الْإِنْسَانُ عَنْ أَبَوَيْهِ، إذَا كَانَا مَيِّتَيْنِ أَوْ عَاجِزَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا رَزِينٍ، فَقَالَ: «حُجَّ عَنْ أَبِيك، وَاعْتَمِرْ» . وَسَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَبِيهَا، مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ؟ فَقَالَ: «حُجِّي عَنْ أَبِيك» . وَيُسْتَحَبُّ الْبِدَايَةُ بِالْحَجِّ عَنْ الْأُمِّ، إنْ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ مُقَدَّمَةٌ فِي الْبِرِّ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّك. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوك» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْبُخَارِيُّ. وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ وَاجِبًا عَلَى الْأَبِ دُونَهَا، بَدَأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّطَوُّعِ.
وَرَوَى زَيْدُ بْن أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ يُقْبَلُ مِنْهُ وَمِنْهُمَا، وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ، وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ، أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا، بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» . وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ، فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ، وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» . رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
[مَسْأَلَة لَيْسَ لِمَنْ لَمْ يَحُجّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَحُجّ عَنْ غَيْرِهِ]
(٢٢٤٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، رَدَّ مَا أَخَذَ، وَكَانَتْ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَقَعَ إحْرَامُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَقَعُ الْحَجُّ بَاطِلًا،