بِهِ الْمَانِعَ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اغْتَسَلَتْ بِهِ مُسْلِمَةٌ، فَإِنْ اغْتَسَلَتْ بِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ كَانَ مُطَهِّرًا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ، وَلَا اُسْتُعْمِلَ فِي عِبَادَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَبَرَّدَ بِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُمْنَعَ اسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اغْتَسَلَتْ بِهِ مُسْلِمَةٌ.
(١٦) فَصْلٌ: وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ، كَالتَّجْدِيدِ، وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مَشْرُوعَةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اغْتَسَلَ بِهِ مِنْ جَنَابَةٍ.
وَالثَّانِيَةُ؛ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَبَرَّدَ بِهِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ مَشْرُوعَةً لَمْ يُؤَثِّرْ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِيهَا شَيْئًا، وَكَانَ كَمَا لَوْ تَبَرَّدَ بِهِ، أَوْ غَسَلَ بِهِ ثَوْبَهُ، وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي التَّبَرُّدِ وَالتَّنْظِيفِ، أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
[فَصْلٌ الْمُسْتَعْمَلُ فِي تَعَبُّدٍ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ]
(١٧) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي تَعَبُّدٍ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ لَمْ يُؤَثِّرْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَاءِ، وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا؛ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةِ تَعَبُّدٍ، أَشْبَهَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ؛ «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَغْمِسَ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا.» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ مَنْعًا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا، أَشْبَهَ الْمُتَبَرَّدَ بِهِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الْمَذْيِ، إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ.
[فَصْلٌ إذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ فِيمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ]
(١٨) فَصْلٌ: إذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ فِيمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، وَلَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِارْتِفَاعِ حَدَثِهِ فِيهِ.
وَلَنَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ بِانْفِصَالِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْمَاءِ عَنْ بَدَنِهِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ عَنْ سَائِرِ الْبَدَنِ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ فِيهِ شَخْصٌ آخَرُ. فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا ارْتَفَعَ حَدَثُهُ، وَلَمْ يَتَأَثَّرْ بِهِ الْمَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ.
[فَصْلٌ إذَا اجْتَمَعَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ إلَى قُلَّتَيْنِ غَيْرِ مُسْتَعْمَلٍ]
(١٩) فَصْلٌ: إذَا اجْتَمَعَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ إلَى قُلَّتَيْنِ غَيْرِ مُسْتَعْمَلٍ صَارَ الْكُلُّ طَهُورًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ نَجِسًا