وَيَسْتَرِدُّ قِيمَتَهَا الَّتِي أَدَّاهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ الصَّبْرِ إلَى إمْكَانِ رَدِّهَا فَيَسْتَرِدُّهَا، وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ إيَّاهَا فَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا، وَتَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ، لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَ دُونَ قِيمَتِهَا بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ الْبَدَلَ، فَلَا يَبْقَى مِلْكُهُ عَلَى الْمُبْدَلِ، كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ تَضْمِينٌ فِيمَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهِ، فَنَقَلَهُ، كَمَا لَوْ خَلَطَ زَيْتَهُ. بِزَيْتِهِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بِالْبَيْعِ، فَلَا يَصِحُّ بِالتَّضْمِينِ كَالتَّالِفِ، وَلِأَنَّهُ غَرِمَ مَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ، فَلَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مُدَبَّرًا، وَلَيْسَ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْقِيمَةَ لِأَجْلِ الْحَيْلُولَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ، وَلِهَذَا إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَيْهِ، رَدَّ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْبِهُ الزَّيْتَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِهِ انْقَطَعَ عَنْهُ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ أَبَدًا.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْمَغْصُوبِ رَدَّهُ، وَنَمَاءَهُ الْمُنْفَصِلَ وَالْمُتَّصِلَ، وَأَجْرَ مِثْلِهِ إلَى حِينِ دَفْعِ بَدَلِهِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَجْرُهُ مِنْ حِينِ دَفْعِ بَدَلِهِ إلَى رَدِّهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَصَحُّهُمَا لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَهُ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَبِمَا قَامَ مَقَامَهُ، كَسَائِرِ مَا عَدَاهُ. وَالثَّانِي، لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَالْمَنْفَعَةُ لَهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ بَدَلًا عَنْهُ إلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِالْحَيْلُولَةِ، وَقَدْ زَالَتْ، فَيَجِبُ رَدُّ مَا أَخَذَ مِنْ أَجْلِهَا إنْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ، وَرَدُّ زِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ، كَالسِّمَنِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، وَهَذَا فَسْخٌ، وَلَا يَلْزَمُ رَدُّ زِيَادَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ فِي مِلْكِهِ، وَلَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، فَأَشْبَهَتْ زِيَادَةَ الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ، وَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ تَالِفًا، رَدَّ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ.
[فَصْلٌ غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ خَمْرًا]
(٣٩٧٩) فَصْلٌ: وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ خَمْرًا، فَعَلَيْهِ مِثْلُ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ فِي يَدَيْهِ، فَإِنْ صَارَ خَلًّا، وَجَبَ رَدُّهُ، وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَصِيرِ، وَيَسْتَرْجِعُ مَا أَدَّاهُ مِنْ بَدَلِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَرُدُّ الْخَلَّ، وَلَا يَسْتَرْجِعُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ تَلِفَ بِتَخَمُّرِهِ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ وَإِنْ عَادَ خَلًّا، كَمَا لَوْ هَزَلَتْ الْجَارِيَةُ السَّمِينَةُ ثُمَّ عَادَ سِمَنُهَا، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا.
وَلَنَا، أَنَّ الْخَلَّ عَيْنُ الْعَصِيرِ، تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ، وَقَدْ رَدَّهُ، فَكَانَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا أَدَّاهُ بَدَلًا عَنْهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَغَصَبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ غَصَبَ حَمَلًا فَصَارَ كَبْشًا. أَمَّا السِّمَنُ الْأَوَّلُ فَلَنَا فِيهِ مَنْعٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute