للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إذَا رَأَى النَّاسَ، وَمَا يُعِدُّونَ لِرَجَبٍ، كَرِهَهُ، وَقَالَ: صُومُوا مِنْهُ، وَأَفْطِرُوا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ، وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ، وَعِنْدَهُمْ سِلَالٌ جُدُدٌ وَكِيزَانُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: رَجَبٌ نَصُومُهُ. قَالَ: أَجَعَلْتُمْ رَجَبًا رَمَضَانَ، فَأَكْفَأِ السِّلَالَ، وَكَسَرَ الْكِيزَانَ قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ كَانَ يَصُومُ السَّنَةَ صَامَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَصُومُهُ مُتَوَالِيًا، يُفْطِرُ فِيهِ، وَلَا يُشَبِّهُهُ بِرَمَضَانَ.

[فَصْلُ صِيَامُ الدَّهْرِ]

(٢١٢٥) فَصْلٌ: وَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ قَالَ: لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ» . قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَسَّرَ مُسَدِّدٌ قَوْلَ أَبِي مُوسَى: (مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ) . فَلَا يَدْخُلُهَا. فَضَحِكَ وَقَالَ: مَنْ قَالَ هَذَا؟ فَأَيْنَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ ذَلِكَ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ؟ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنَّمَا يُكْرَه إذَا أَدْخَلَ فِيهِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا أَفْطَرَ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ.

وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَسْرُدُونَ الصَّوْمَ، مِنْهُمْ أَبُو طَلْحَةَ. قِيلَ: إنَّهُ صَامَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي، أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ لَمْ يَصُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَإِنْ صَامَهَا قَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَإِنَّمَا كُرِهَ صَوْمُ الدَّهْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَالضَّعْفِ، وَشِبْهِ التَّبَتُّلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: إنَّك لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلْت: نَعَمْ. قَالَ: إنَّك إذَا فَعَلْت ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ عَيْنُك، وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ قُلْت: فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَصُمْ صَوْمَ دَاوُد، كَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>