أُمَّ الْوَلَدِ، إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ، فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ حُرَّةً.
[فَصْل أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ أَمَتَهُ الَّتِي كَانَ يُصِيبُهَا فَمَا هِيَ عِدَّتُهَا]
فَصْلٌ: وَإِنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ أَمَتَهُ الَّتِي كَانَ يُصِيبُهَا، أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ إصَابَتُهَا، فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَالِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ يُوَفَّوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ؛ رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ، فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنِ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا» . وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِبْرَاءً، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاء لِصِيَانَةِ مَائِهِ وَحِفْظِهِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ بِمَاءِ غَيْرِهِ، وَلَا يُصَانُ مَاؤُهُ عَنْ مَائِهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُخْتَلِعَتَهُ فِي عِدَّتِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْأَمَةِ الَّتِي لَا يَطَؤُهَا إذَا أَعْتَقَهَا: لَا يَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا لَمْ تَحِلّ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَكَذَلِكَ بِالنِّكَاحِ، كَاَلَّتِي كَانَ يُصِيبُهَا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، وَلَمْ يَنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ أَصَابَهَا، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى حِلِّهَا لَهُ بِظَاهِرِهِ، لِدُخُولِهَا فِي الْعُمُومِ، وَلِأَنَّهَا تَحِلُّ لِمَنْ تَزَوَّجَهَا سِوَاهُ، فَلَهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَالِ، كَانَ جَائِزًا حَسَنًا، فَكَذَلِكَ هَذِهِ، فَإِنَّهُ تَارِكٌ لِوَطْئِهَا، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، إنَّمَا كَانَ لِصِيَانَةِ مَائِهِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ بِغَيْرِهِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ هَاهُنَا. وَكَلَامُ أَحْمَدَ، مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اشْتَرَاهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا.
[فَصْلٌ اشْتَرَى أَمَةً فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا]
(٦٣٧٦) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى أَمَةً، فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَهُ ذَلِكَ. وَيُحْكَى أَنَّ الرَّشِيدَ اشْتَرَى جَارِيَةً، فَتَاقَتْ نَفْسُهُ إلَى جِمَاعهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، فَأَمَرَهُ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يَعْتِقَهَا وَيَتَزَوَّجَهَا وَيَطَأَهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْمَهْدِيَّ اشْتَرَى جَارِيَةً، فَأَعْجَبَتْهُ، فَقِيلَ لَهُ: اعْتِقْهَا وَتَزَوَّجْهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا أَعْظَمِ هَذَا، أَبْطَلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، جَعَلَ اللَّهُ عَلَى الْحَرَائِرِ الْعِدَّةَ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، فَلَيْسَ مِنْ امْرَأَةٍ تَطْلُقُ أَوْ يَمُوتُ زَوْجُهَا إلَّا تَعْتَدُّ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ بِحَيْضَةٍ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، فَفَرْجٌ يُوطَأُ يَشْتَرِيهِ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute