للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ قَذَفَهَا وَهُوَ نَاطِقٌ ثُمَّ خَرِسَ وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ]

(٦٢٣٨) فَصْلٌ: فَإِنْ قَذَفَهَا وَهُوَ نَاطِقٌ، ثُمَّ خَرِسَ، وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَخْرَسِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ رُجِيَ عَوْدُ نُطْقِهِ، وَزَوَالُ خَرَسِهِ، اُنْتُظِرَ بِهِ ذَلِكَ، وَيُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَطِبَّاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُلَاعِنُ فِي الْحَالَيْنِ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ أُصْمِتَتْ، فَقِيلَ لَهَا: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلَفُلَانً كَذَا؟ فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ، فَرَأَوْا أَنَّهَا وَصِيَّةٌ. وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ مَنْ الرَّاوِي لِذَلِكَ، وَلَمْ يُعْلَم أَنَّهُ قَوْلُ مَنْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ، وَلَا عُلِمَ هَلْ كَانَ ذَلِكَ لَخَرَسٍ يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ لَا؟ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ، وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ: هَلْ يَصِحُّ لِعَانُهُ بِالْإِشَارَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

[فَصْل كُلُّ مَوْضِعٍ لَا لِعَانَ فِيهِ فَالنَّسَبُ لَاحِقٌ فِيهِ]

(٦٢٣٩) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا لِعَانَ فِيهِ، فَالنَّسَبُ لَاحِقٌ فِيهِ، وَيَجِبُ بِالْقَذْفِ مُوجَبُهُ مِنْ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، فَلَا ضَرْبَ فِيهِ، وَلَا لِعَانَ. كَذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ: وَلَا أَحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ.

[فَصْلُ لَا لِعَانَ بَيْنَ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ]

(٦٢٤٠) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا لِعَانَ بَيْنَ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً مُحْصَنَةً، حُدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً عُزِّرَ، وَلَا لِعَانَ أَيْضًا. وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] . ثُمَّ خَصَّ الزَّوْجَاتِ مِنْ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] . فَفِيمَا عَدَاهُنَّ يَبْقَى عَلَى قَضِيَّةِ الْعُمُومِ. وَإِنْ مَلَكَ أَمَةً، ثُمَّ قَذَفَهَا، فَلَا لِعَانَ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِقَذْفِهَا، وَيُعَزَّرُ. فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِوَطْئِهَا، لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى نَفْيِهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا، صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ.

وَإِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِمُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمِ الْوَطْءِ لَحِقَهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَصِيرُ فِرَاشًا لَهُ حَتَّى يُقِرّ بِوَلَدِهَا، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ، وَلَحِقَهُ أَوْلَادُهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَارَتْ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ، لَصَارَتْ فِرَاشًا بِإِبَاحَتِهِ، كَالزَّوْجَةِ. وَلَنَا، أَنَّ سَعْدًا نَازَعَ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ: هُوَ أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>