قَافَةٌ، وَقَدْ لَا يَعْتَرِفُ الرَّجُلُ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ، أَوْ يَغِيبُ أَوْ يَمُوتُ، فَلَا يَنْتَفِي الْوَلَدُ. وَإِنْ قَالَ: مَا وَلَدَتْهُ وَإِنَّمَا الْتَقَطْتُهُ أَوْ اسْتَعَرْتُهُ فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ وَلَدِي مِنْك. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، فَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، كَالدَّيْنِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا لِلْوِلَادَةِ، فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِهَا، وَلَا دَعْوَى الْأَمَةِ لَهَا لِتَصِيرَ بِهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهَا لِتَقْضِيَ عِدَّتَهَا بِهَا. فَعَلَى هَذَا لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً، وَهِيَ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ، تَشْهَدُ بِوِلَادَتِهَا لَهُ فَإِذَا ثَبَتَتْ وِلَادَتُهَا لَهُ، لَحِقَهُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] . وَتَحْرِيمُ كِتْمَانِهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهَا فِيهِ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا، فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ، كَالْحَيْضِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ، فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ، كَالْحَيْضِ.
فَعَلَى هَذَا، النَّسَبُ لَاحِقٌ بِهِ، وَهَلْ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا، لَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ لِوِلَادَتِهَا إيَّاهُ، إقْرَارٌ بِأَنَّهَا لَمْ تَلِدْهُ مِنْ زِنًا، فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِنَفْسِهِ. وَالثَّانِي، لَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّهُ رَامٍ لِزَوْجَتِهِ، وَنَافٍ لِوَلَدِهَا، فَكَانَ لَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ، كَغَيْرِهِ.
[فَصْل وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ فِي النِّكَاحِ]
(٦٢٧٨) فَصْلٌ: وَمَنْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ فِي النِّكَاحِ، لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى نَفْيِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، فَلَمْ يَلْحَقْهُ، كَمَا لَوْ أَتَتْ بِهِ عَقِيبَ نِكَاحِهِ لَهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، فِي قَوْلِ كُلِّ مَنْ عَلِمْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ طِفْلًا لَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ، لَمْ يَلْحَقْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدُ وَلَدٌ لِمِثْلِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ. وَإِنْ كَانَ لَهُ عَشْرٌ، فَحَمَلْت امْرَأَتُهُ، لَحِقَهُ وَلَدُهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْحَقُ بِهِ، إذَا أَتَتْ بِهِ لِتِسْعَةِ أَعْوَامٍ وَنِصْفِ عَامٍ مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ يُولَدُ لَهَا لِتِسْعٍ، فَكَذَلِكَ الْغُلَامُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَلْحَقُهُ حَتَّى يَبْلُغَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمَاءِ، وَلَا يَنْزِلُ حَتَّى يَبْلُغَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute