وَيُفَارِقُ الْمَوْتَ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ إتْمَامُ الْأَيْمَانِ مِنْهُ، وَغَيْرُهُ لَا يَبْنِي عَلَى يَمِينِهِ، وَهَا هُنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّهَا إذَا أَفَاقَ، وَلَا تَبْطُلُ بِالتَّفْرِيقِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَلَّفَهُ بَعْضَ الْأَيْمَانِ، ثُمَّ تَشَاغَلَ عَنْهُ، لَمْ تَبْطُلْ، وَيُتِمُّهَا، وَمَا لَا يُبْطِلُهُ التَّفْرِيقُ، لَا يُبْطِلُهُ تَخَلُّلُ الْجُنُونِ لَهُ كَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ، وَإِنْ حَلَفَ بَعْضَ الْأَيْمَانِ، ثُمَّ عُزِلَ الْحَاكِمُ، وَوُلِّيَ غَيْرُهُ، أَتَمَّهَا عِنْدَ الثَّانِي: وَلَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْنَافُهَا؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بَعْضَهَا، ثُمَّ سَأَلَ الْحَاكِمَ إنْظَارَهُ، فَأَنْظَرَهُ، بَنَى عَلَى مَا مَضَى، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِئْنَافُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ رَدَّتْ الْأَيْمَان عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَكَانَ عَمْدًا]
(٧٠٣٤) فَصْلٌ: إذَا رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَكَانَ عَمْدًا، لَمْ تَجُزْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ عَنْ غَيْر عَمْدٍ، كَالْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ مِنْ شَرْطِهَا اللَّوْثُ، وَالْعَدَاوَةُ، إنَّمَا أَثَرُهَا فِي تَعَمُّدِ الْقَتْلِ، لَا فِي خَطَئِهِ، فَإِنَّ احْتِمَالَ الْخَطَإِ فِي الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: فِيهِ قَسَامَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّوْثَ لَا يَخْتَصُّ الْعَدَاوَةَ عِنْدَهُمْ. فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الدَّعْوَى عَلَى جَمَاعَةٍ، فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَى جَمَاعَةٍ، لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تُقْسَمُ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ، كَقَسْمِهَا بَيْنَ الْمُدَّعِينَ، إلَّا أَنَّهَا هَاهُنَا تُقْسَمُ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مُتَسَاوُونَ فِيهَا، فَهُمْ كَبَنِي الْمَيِّتِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالْوَجْهَيْنِ. وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» . وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «فَيَحْلِفُونَ لَكُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ» . وَلِأَنَّهُمْ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي الْقَسَامَةِ، فَتَسْقُطُ الْأَيْمَانُ عَلَى عَدَدِهِمْ، كَالْمُدَّعِينَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا، رُدِّدَتْ عَلَى مَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ حَتَّى تَكْمُلَ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ يَحْلِفُ إلَّا الَّذِي اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، حَلَفَ وَحْدَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» . وَلَنَا، أَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ يُبْرِئُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ نَفْسَهُ مِنْ الْقَتْلِ، فَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ، كَمَا لَوْ اُدُّعِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ قَتِيلٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُبْرِئُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَالَ الِاشْتِرَاكِ إلَّا مَا يُبْرِئُهُ حَالَ الِانْفِرَادِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْلِفُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، بِخِلَافِ الْمُدَّعِينَ، فَإِنَّ أَيْمَانَهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَلْفِيقِهَا تَلْفِيقُ مَا يَخْتَلِفُ مَدْلُولُهُ أَوْ مَقْصُودُهُ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْمَقْتُول مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا]
(٧٠٣٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ يُقْتَلُ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ تُوجِبُ الْقَوَدَ، إلَّا أَنْ يُحِبَّ الْأَوْلِيَاءُ أَخْذَ الدِّيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute