وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ، فَإِنْ بَكَتْ أَوْ سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا»
وَلِأَنَّهَا غَيْرُ نَاطِقَةٍ بِالِامْتِنَاعِ مَعَ سَمَاعِهَا لِلِاسْتِئْذَانِ، فَكَانَ إذْنًا مِنْهَا كَالصُّمَاتِ أَوْ الضَّحِكِ. وَالْبُكَاءُ يَدُلُّ عَلَى فَرْطِ الْحَيَاءِ، لَا عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ كَرِهَتْ لَامْتَنَعَتْ، فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِي مِنْ الِامْتِنَاعِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ بِصَرِيحِهِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إذْنٌ، وَبِمَعْنَاهُ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ، وَكَذَلِكَ أَقَمْنَا الضَّحِكَ مُقَامَهُ.
[فَصْلٌ الثَّيِّبُ الْمُعْتَبَرُ نُطْقُهَا هِيَ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْقُبُلِ]
(٥٢٠٨) فَصْلٌ: وَالثَّيِّبُ الْمُعْتَبَرُ نُطْقُهَا،، هِيَ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْقُبُلِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُصَابَةِ بِالْفُجُورِ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْبِكْرِ فِي إذْنِهَا وَتَزْوِيجِهَا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاكْتِفَاءِ بِصُمَاتِ الْبِكْرِ الْحَيَاءُ، وَالْحَيَاءُ مِنْ الشَّيْءِ لَا يَزُولُ إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ، وَهَذِهِ لَمْ تُبَاشِرْ بِالْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ، فَيَبْقَى حَيَاؤُهَا مِنْهُ بِحَالِهِ. وَلَنَا، قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا» . وَلِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَإِذْنُهَا أَنْ تَسْكُتَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِ الثَّيِّبِ؛ لِأَنَّهُ قَسَمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ، فَجَعَلَ السُّكُوتَ إذْنًا لِأَحَدِهِمَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ وَهَذِهِ ثَيِّبٌ، فَإِنَّ الثَّيِّبَ هِيَ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْقُبُلِ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِثَيِّبِ النِّسَاءِ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْأَبْكَارِ لَمْ تَدْخُلْ، وَلَوْ اشْتَرَطَهَا فِي التَّزْوِيجِ أَوْ الشِّرَاءِ بِكْرًا فَوَجَدَهَا مُصَابَةً بِالزِّنَا، مَلَكَ الْفَسْخَ، وَلِأَنَّهَا مَوْطُوءَةٌ فِي الْقُبُلِ، فَأَشْبَهَتْ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْحَيَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ بِمَظِنَّتِهِ، وَهِيَ الْبَكَارَةُ، ثُمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ يُفْضِي إلَى إبْطَالِ مَنْطُوقِ الْحَدِيثِ، فَيَكُونُ بَاطِلًا فِي نَفْسِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكْرَهَةِ وَالْمُطَاوِعَةِ، وَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِأَبِيهَا إجْبَارُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً، وَفِي تَزْوِيجِهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَجْهَانِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا لَمْ تُبَاشِرْ الْإِذْنَ. قُلْنَا: يَبْطُلُ بِالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ فِي مِلْكِ يَمِينٍ، وَالْمُزَوَّجَةُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ.
[فَصْلٌ الْحُكْمِ إذَا ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا بِغَيْرِ جِمَاعٍ فِي إذْنهَا فِي النِّكَاح]
(٥٢٠٩) فَصْلٌ: وَإِنْ ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا بِغَيْرِ جِمَاعٍ، كَالْوَثْبَةِ، أَوْ شِدَّةِ حَيْضَةٍ، أَوْ بِإِصْبَعٍ أَوْ عُودٍ وَنَحْوِهِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ
ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَبِرْ الْمَقْصُودَ، وَلَا وُجِدَ وَطْؤُهَا فِي الْقُبُلِ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَمْ تَزُلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute