وَنَحْوِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رَاعٍ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، قَدْ عَطِشَتْ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَسْقِيَهَا، فَقَالَ لَهَا: أَمْكِنِينِي مِنْ نَفْسِك. قَالَ: هَذِهِ مُضْطَرَّةٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ امْرَأَةً اسْتَسْقَتْ رَاعِيًا، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَعَلِيٍّ: مَا تَرَى فِيهَا؟ قَالَ: إنَّهَا مُضْطَرَّةٌ. فَأَعْطَاهَا عُمَرُ شَيْئًا، وَتَرَكَهَا.
[فَصْلٌ أَكْرَه الرَّجُل فَزَنَى]
(٧١٦٧) فَصْلٌ: وَإِنْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ فَزَنَى، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِانْتِشَارِ، وَالْإِكْرَاهُ يُنَافِيهِ. فَإِذَا وُجِدَ الِانْتِشَارُ انْتَفَى الْإِكْرَاهُ، فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى غَيْرِ الزِّنَى، فَزَنَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ، حُدَّ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْإِكْرَاهُ شُبْهَةٌ، فَيَمْنَعُ الْحَدَّ، كَمَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةً، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ، إذَا كَانَ بِالتَّخْوِيفِ، أَوْ بِمَنْعِ مَا تَفُوتُ حَيَاتُهُ بِمَنْعِهِ، كَانَ الرَّجُلُ فِيهِ كَالْمَرْأَةِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْحَدُّ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ التَّخْوِيفَ يُنَافِي الِانْتِشَارَ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّخْوِيفَ بِتَرْكِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ لَا يُخَافُ مِنْهُ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ. وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ حَدّ اللِّوَاط]
(٧١٦٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ تَلَوَّطَ، قُتِلَ، بِكْرًا كَانَ أَوْ ثَيِّبًا، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّانِي) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ اللِّوَاطِ، وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَعَابَ مَنْ فَعَلَهُ، وَذَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ٨٠] {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: ٨١] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ» .
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي حَدِّهِ؛ فَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّ حَدَّهُ الرَّجْمُ، بِكْرًا كَانَ أَوْ ثَيِّبًا. وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي حَبِيبٍ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ حَدَّهُ حَدُّ الزَّانِي. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute