للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمِينُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ رُجِعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ، فَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّعْجِيلَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، وَلَا كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا يَبَرُّ إلَّا بِقَضَائِهِ فِي الْغَدِ، وَلَا يَبَرُّ بِقَضَائِهِ قَبْلَهُ.

وَقَالَ الْقَاضِي: يَبَرُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لِلْحَثِّ عَلَى الْفِعْلِ، فَمَتَى عَجَّلَهُ، فَقَدْ أَتَى بِالْمَقْصُودِ، فِيهِ، كَمَا لَوْ نَوَى ذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ فِعْلَ مَا تَنَاوَلَتْهُ يَمِينُهُ لَفْظًا، وَلَمْ تَصْرِفْهَا عَنْهُ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ، فَتُصْرَفُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ شَعْبَانَ، فَصَامَ رَجَبًا. وَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ عُرْفَ هَذِهِ الْيَمِينِ فِي الْقَضَاءِ التَّعْجِيلُ، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ إلَيْهِ.

(٨١١٦) فَصْلٌ: فَأَمَّا غَيْرُ قَضَاءِ الْحَقِّ، كَأَكْلِ شَيْءٍ، أَوْ شُرْبِهِ، أَوْ بَيْعِ شَيْءٍ، أَوْ شِرَائِهِ، أَوْ ضَرْبِ عَبْدٍ، وَنَحْوِهِ، فَمَتَى عَيَّنَ وَقْتَهُ، وَلَمْ يَنْوِ مَا يَقْتَضِي تَعْجِيلَهُ، وَلَا كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِيهِ، لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِفِعْلِهِ فِي وَقْتِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّهُ يَبَرُّ بِتَعْجِيلِهِ عَنْ وَقْتِهِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ، مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ تَصْرِفُ يَمِينَهُ، وَلَا سَبَبٍ، فَيَحْنَثُ، كَالصِّيَامِ. وَلَوْ فَعَلَ بَعْضَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَبَعْضَهُ فِي وَقْتِهِ، لَمْ يَبَرَّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَبَرُّ فِيهَا إلَّا بِفِعْلِ جَمِيعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَتَرْكُ بَعْضِهِ فِي وَقْتِهِ، كَتَرْكِ جَمِيعِهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِي أَنْ لَا يُجَاوِزَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، أَوْ يَقْتَضِيَ ذَلِكَ سَبَبُهَا.

[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ بِعَشَرَةِ فَبَاعِهِ بِهَا أَوْ بِأَقَلّ مِنْهَا]

(٨١١٧) فَصْلٌ: وَمَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ بِعَشَرَةٍ، فَبَاعَهُ بِهَا أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا، حَنِثَ. وَإِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، لَمْ يَحْنَثْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ إذَا بَاعَهُ بِأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ يَمِينُهُ. وَلَنَا، أَنَّ الْعُرْفَ فِي هَذَا أَنْ لَا يَبِيعَهُ بِهَا، وَلَا بِأَقَلَّ مِنْهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ فِي بَيْعِهِ إنْسَانًا، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ بِعَشَرَةٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا، وَلِأَنَّ هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ بَيْعِهِ بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ، وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، كَثُبُوتِهِ بِاللَّفْظِ. إنْ حَلَفَ: لَا اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ. فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ، لَمْ يَحْنَثْ.

وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ، حَنِثَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَنْ لَا يَحْنَثَ إذَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ لَفْظًا. وَلَنَا، أَنَّهَا تَنَاوَلَتْهُ عُرْفًا وَتَنْبِيهًا، فَكَانَ حَانِثًا، كَمَا لَوْ حَلَفَ: مَا لَهُ عَلَيَّ حَبَّةٌ.

فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْهَا، وَيَبْرَأُ بِيَمِينِهِ مِمَّا زَادَ عَلَيْهَا، كَبَرَاءَتِهِ مِنْهَا. قِيلَ لِأَحْمَدَ رَجُلٌ إنْ حَلَفَ لَا يَنْقُصُ هَذَا الثَّوْبُ عَنْ كَذَا. قَالَ: قَدْ أَخَذْته، وَلَكِنْ هَبْ لِي كَذَا. قَالَ: هَذَا حِيلَةٌ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك بِكَذَا، وَأَهَبُ لِفُلَانٍ شَيْئًا آخَرَ. قَالَ هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. فَكَرِهَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>