للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ مُلَازَمَتِهِ، لَذَهَبَ مِنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ، وَلَا تُمْكِنُ إقَامَتُهَا إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَمَكَّنَ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، تَمَكَّنَ مِنْ مُلَازَمَتِهِ فِيهِ حَتَّى تَحْضُرَ الْبَيِّنَةُ. وَتُفَارِقُ الْبَيِّنَةَ الْبَعِيدَةَ، أَوْ مَنْ لَا يُمْكِنُ حُضُورُهَا، فَإِنَّ إلْزَامَهُ الْإِقَامَةَ إلَى حِينِ حُضُورِهَا يَحْتَاجُ إلَى حَبْسٍ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ.

[فَصْل قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَأُرِيدُ إحْلَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ]

(٨٤٢٩) فَصْلٌ: وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ، وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أُحْلِفَ لَهُ، ثُمَّ إنْ أَحْضَرَ شَاهِدًا آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَّلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَقُضِيَ بِهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، وَأُرِيدُ إحْلَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَهُ ذَلِكَ، وَيَسْتَحْلِفُ خَصْمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِحْلَافَهُ إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ بَعِيدَةً، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا أُرِيدُ إقَامَةَ بَيِّنَتِي الْقَرِيبَةِ. مَلَكَ اسْتِحْلَافَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ إقَامَتَهَا.

الثَّانِي، لَا يَمْلِكُ اسْتِحْلَافَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْبَيِّنَةِ غُنْيَةً عَنْ الْيَمِينِ، فَلَمْ تُشْرَعْ مَعَهَا؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَصْلٌ، وَالْيَمِينَ بَدَلٌ، فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْأَصْلِ، كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ. وَفَارَقَ الْبَعِيدَةَ، فَإِنَّهَا فِي الْحَالِ كَالْمَعْدُومَةِ لِلْعَجْزِ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ الَّتِي لَا يُرِيدُ إقَامَتَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِي إحْضَارِهَا، أَوْ عَلَيْهِ فِي الْحُضُورِ مَشَقَّةٌ، فَيَسْقُطُ ذَلِكَ لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ الَّتِي يُرِيدُ إقَامَتَهَا.

[مَسْأَلَة الْيَمِينَ الْمَشْرُوعَةَ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي يَبْرَأ بِهَا الْمَطْلُوبُ]

(٨٤٣٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْيَمِينُ الَّتِي يَبْرَأُ بِهَا الْمَطْلُوبُ، هِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ كَافِرًا) . وَجُمْلَتُهُ، أَنَّ الْيَمِينَ الْمَشْرُوعَةَ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي يَبْرَأُ بِهَا الْمَطْلُوبُ، هِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا أُحِبَّ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَإِنْ اسْتَحْلَفَ حَاكِمٌ بِاَللَّهِ، أَجْزَأَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحْلَفَ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُ: قُلْ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَالَهُ عِنْدَك شَيْءٌ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، حِينَ حَلَفَ لِأَبِي، قَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، إنَّ النَّخْلَ لَنَخْلِي، وَمَا لِأَبِي فِيهَا شَيْءٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ الْمُدَّعَى قِصَاصًا أَوْ عَتَاقًا، أَوْ حَدًّا، أَوْ مَالًا يَبْلُغُ نِصَابًا غَلُظَتْ الْيَمِينُ، فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، عَالَمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ. وَقَالَ فِي الْقَسَامَةِ: عَالِمِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا فِي أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>