للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا فِي الشَّهَادَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ.» وَلَمْ يَذْكُرْ شَهَادَتَهُ.

وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي هَذَا، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يَتَسَامَحُ فِيهَا، وَلِهَذَا صَحَّ تَعْلِيقُهَا عَلَى الْخَطَرِ وَالْغَرَرِ، وَصَحَّتْ لِلْحَمْلِ، بِهِ، وَبِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَبِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ، فَجَازَ أَنْ يَتَسَامَحَ فِيهَا بِقَبُولِ الْخَطِّ، كَرِوَايَةِ الْحَدِيثِ.

[فَصْلٌ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ]

(٤٦٩٢) فَصْلٌ: وَإِنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ، وَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ. أَوْ قَالَ: هَذِهِ وَصِيَّتِي، فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا. فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَتَبَ وَصِيَّتَهُ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ لِلشُّهُودِ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ. لَا يَجُوزُ حَتَّى يَسْمَعُوا مِنْهُ مَا فِيهِ، أَوْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ فَيُقِرَّ بِمَا فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ جَوَازَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُبِلَ خَطُّهُ الْمُجَرَّدُ، فَهَذَا أَوْلَى

وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى، وَمَكْحُولٌ، وَنُمَيْرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ. وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ، فِي أَمْرِ وِلَايَتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَسُنَنِهِ، ثُمَّ مَا عَمِلَتْ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ بَعْدَهُ مِنْ كُتُبِهِمْ إلَى وُلَاتِهِمْ، بِالْأَحْكَامِ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاءُ وَالْفُرُوجُ وَالْأَمْوَالُ، يَبْعَثُونَ بِهَا مَخْتُومَةً، لَا يَعْلَمُ حَامِلُهَا مَا فِيهَا، وَأَمْضُوهَا عَلَى وُجُوهِهَا، وَذَكَرَ اسْتِخْلَافَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِكِتَابٍ، كَتَبَهُ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَعَ شُهْرَتِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي عُلَمَاءِ الْعَصْرِ، فَكَانَ إجْمَاعًا

وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كِتَابٌ لَا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، فَأَمَّا مَا ثَبَتَ مِنْ الْوَصِيَّةِ، بِشَهَادَةِ أَوْ إقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَيُعْمَلُ بِهِ، مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ، وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ الْمُوصَى بِهِ، مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَرَضٍ فَيَبْرَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يَمُوتَ بَعْدُ أَوْ يُقْتَلَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ، كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ. (٤٦٩٣) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ الْمُوصِي وَصِيَّتَهُ، وَيُشْهِدَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا

وَأَحْوَطُ لِمَا فِيهَا. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» . وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانٌ، أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>