وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا فَحَرَثَتْهَا، فَتِلْكَ زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ، إنْ بَذَلَتْهَا لَهُ بِزِيَادَتِهَا، لَزِمَهُ قَبُولُهَا، كَالزِّيَادَاتِ الْمُتَّصِلَةِ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ تَبْذُلْهَا، دَفَعَتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا.
وَإِنْ زَرَعَتْهَا، فَحُكْمُهَا حُكْمُ النَّخْلِ إذَا أَطْلَعَتْ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهَا إذَا بَذَلَتْ نِصْفَ الْأَرْضِ مَعَ نِصْفِ الزَّرْعِ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، بِخِلَافِ الطَّلْعِ مَعَ النَّخْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا يَنْقُصُ بِهَا الشَّجَرُ، وَالْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالزَّرْعِ وَتَضْعُفُ. الثَّانِي: أَنَّ الثَّمَرَةَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ النَّخْلِ، فَهِيَ تَابِعَةٌ لَهُ، وَالزَّرْعُ مِلْكُهَا أَوْدَعَتْهُ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ، كَالطَّلْعِ سَوَاءً. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ.
وَمَسَائِلُ الْغِرَاسِ كَمَسَائِلِ الزَّرْعِ. فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْحَصَادِ، وَلَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ زَادَتْ وَلَا نَقَصَتْ، رَجَعَ فِي نِصْفِهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ بِالزَّرْعِ أَوْ زَادَتْ بِهِ رَجَعَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا، إلَّا أَنْ يَرْضَى بِأَخْذِهَا نَاقِصَةً، أَوْ تَرْضَى هِيَ بِبَذْلِهَا زَائِدَةً.
[فَصْلٌ أَصْدَقَهَا خَشَبًا فَشَقَّتْهُ أَبْوَابًا]
(٥٥٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا أَصْدَقَهَا خَشَبًا فَشَقَّتْهُ أَبْوَابًا، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهِ لِزِيَادَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُسْتَعِدًّا لِمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُ مِنْ التَّسْقِيفِ وَغَيْرِهِ. وَإِنْ أَصْدَقَهَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، فَصَاغَتْهُ حُلِيًّا فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، فَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ نِصْفِهِ. وَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ النِّصْفَ، لَزِمَهُ الْقَبُولُ، لِأَنَّ الذَّهَبَ لَا يَنْقُصُ بِالصِّيَاغَةِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُسْتَعِدًّا لِمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُ قَبْلَ صِيَاغَتِهِ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا، فَكَسَرَتْهُ، ثُمَّ صَاغَتْهُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُ نِصْفِهِ، لِأَنَّهُ نَقَصَ فِي يَدِهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا بَذْلُ نِصْفِهِ؛ لِزِيَادَةِ الصِّنَاعَةِ الَّتِي أَحْدَثَتْهَا فِيهِ، وَإِنْ عَادَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهَا، وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَمَرِضَ ثُمَّ بَرِيءَ.
وَإِنْ صَاغَتْ الْحُلِيَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَهُ الرُّجُوعُ كَالدَّرَاهِمِ إذَا أُعِيدَتْ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهَا جَدَّدَتْ فِيهِ صِنَاعَةً، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَاغَتْهُ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى، وَلَوْ أَصْدَقَهَا جَارِيَةً، فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ، فَعَادَتْ إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى، فَهَلْ يَرْجِعُ فِي نِصْفِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
[فَصْلٌ الصَّدَاقِ إذَا اكَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا]
(٥٥٨٨) فَصْلٌ: وَحُكْمُ الصَّدَاقِ حُكْمُ الْبَيْعِ، فِي أَنَّ مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَا يَجُوزُ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute