وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ يَؤُمُّهَا عَبْدٌ لَهَا فِي الْمُصْحَفِ وَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ يَقْرَأُ فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ فَقَالَ: كَانَ خِيَارُنَا يَقْرَءُونَ فِي الْمَصَاحِفِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَعَنْ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ فِي التَّطَوُّعِ وَلِأَنَّ مَا جَازَ قِرَاءَتُهُ ظَاهِرًا جَازَ نَظِيرُهُ كَالْحَافِظِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ طَوِيلٍ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ مُتَّصِلٌ وَاخْتَصَّتْ الْكَرَاهَةُ بِمَنْ يَحْفَظُ لِأَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِذَلِكَ عَنْ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالنَّظَرِ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ.
وَكُرِهَ فِي الْفَرْضِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِيهَا وَأُبِيحَتْ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَة زِيَادَة الْقِرَاءَة عَلَى أُمّ الْكِتَاب فِي الرَّكْعَتَيْنِ غَيَّرَ الْأُولَيَيْنِ]
(٨٠١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَلَا يَزِيدُ عَلَى قِرَاءَةِ أُمِّ الْكِتَابِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تُسَنُّ زِيَادَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى أُمِّ الْكِتَابِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ. الشَّالَنْجِيُّ عَنْهُمْ بِإِسْنَادِهِ إلَّا حَدِيثَ جَابِرٍ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَرَّةً قَالَ كَذَلِكَ وَمَرَّةً قَالَ: يَقْرَأُ بِسُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. لِمَا رَوَى الصُّنَابِحِيُّ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْمَغْرِبَ، فَدَنَوْت مِنْهُ حَتَّى إنَّ ثِيَابِي تَكَادُ تَمَسُّ ثِيَابَهُ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَهَذِهِ الْآيَةِ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: ٨] وَلَنَا: حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ: أَنْ اقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ.
وَمَا فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا قَصَدَ بِهِ الدُّعَاءَ، لَا الْقِرَاءَةَ. لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ وَلَوْ قُدِّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute