[فَصْلٌ بِيعَ شِقْصٌ لَهُ شَفِيعَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْهَا وَطَالَبَ الْآخَرُ بِهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُطَالِبُ فَوَرِثَهُ الْعَافِي]
(٤٠٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا بِيعَ شِقْصٌ لَهُ شَفِيعَانِ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْهَا، وَطَالَبَ الْآخَرُ بِهَا، ثُمَّ مَاتَ الْمُطَالِبُ، فَوَرِثَهُ الْعَافِي، فَلَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ لِشَفِيعٍ مُطَالِبٍ بِالشُّفْعَةِ، فَمَلَكَ الْأَخْذَ بِهَا، كَالْأَجْنَبِيِّ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَ رَجُلٌ أُمَّهُمَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا، فَطَالَبَ الْآخَرُ، ثُمَّ مَاتَ الطَّالِبُ، فَوَرِثَهُ الْعَافِي، ثَبَتَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِالنِّيَابَةِ عَنْ أَخِيهِ الْمَيِّت، إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِقَذْفِهَا.
[فَصْلٌ مَاتَ مُفْلِسٌ وَلَهُ شِقْصٌ فَبَاعَ شَرِيكُهُ]
(٤٠٨٨) فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ مُفْلِسٌ، وَلَهُ شِقْصٌ، فَبَاعَ شَرِيكُهُ، كَانَ لِوَرَثَتِهِ الشُّفْعَةُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا شُفْعَةَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ إلَى الْغُرَمَاءِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ بَيْعٌ فِي شَرِكَةِ مَا خَلَّفَهُ مَوْرُوثُهُمْ مِنْ شِقْصٍ، فَكَانَ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِشُفْعَتِهِ كَغَيْرِ الْمُفْلِسِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّرِكَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْغُرَمَاءِ، بَلْ هِيَ لِلْوَرَثَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ تَمَّتْ أَوْ زَادَ ثَمَنُهَا، لَحُسِبَ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِمْ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الشُّفْعَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَرَجُلٍ شِقْصٌ مَرْهُونٌ، فَبَاعَ شَرِيكُهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهِ.
وَلَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَارٌ، فَبِيعَ بَعْضُهَا فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ لَهُمْ، فَلَا يَسْتَحِقُّونَ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ شَرِيكًا لِلْمَوْرُوثِ، فَبِيعَ نَصِيبُ الْمَوْرُوثِ فِي دَيْنِهِ، فَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَوْرُوثِ انْتَقَلَ بِمَوْتِهِ إلَى الْوَارِثِ، فَإِذَا بِيعَ فَقَدْ بِيعَ مِلْكُهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عَلَى نَفْسِهِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا وَوَصِيّ بِهِ ثُمَّ مَاتَ]
(٤٠٨٩) فَصْلٌ: وَلَوْ اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا، وَوَصَى بِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ مِنْ حَقِّ الْمُوصِيَ لَهُ، فَإِذَا أَخَذَهُ، دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ ذَهَبَ، فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، لَهُ كَمَا لَوْ تَلِفَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ بَدَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصَ لَهُ إلَّا بِالشِّقْصِ، وَقَدْ فَاتَ بِأَخْذِهِ.
وَلَوْ وَصَّى رَجُلٌ لَإِنْسَانٍ بِشِقْصٍ ثُمَّ مَاتَ، فَبِيعَ فِي تَرِكَتِهِ شِقْصٌ قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ، فَالشُّفْعَةُ لِلْوَرَثَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ لَا يَصِيرُ لِلْوَصِيِّ إلَّا بَعْدَ الْقَبُولِ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصَى إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ. فَإِذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ، اسْتَحَقَّ الْمُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ، فَكَانَ الْمَبِيعُ فِي شَرِكَتِهِ. وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ قَبْلَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِقَبُولِهِ، فَإِنْ قَبِلَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لَهُ. وَإِنْ رَدَّ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْوَرَثَةِ. وَلَا تَسْتَحِقُّ الْوَرَثَةُ الْمُطَالَبَةَ أَيْضًا؛ لِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute