أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لَا يَحِلُّ لَهُمَا الصَّوْمُ، وَأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ رَمَضَانَ، وَيَقْضِيَانِ، وَأَنَّهُمَا إذَا صَامَتَا لَمْ يُجْزِئْهُمَا الصَّوْمُ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: «كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْأَمْرُ إنَّمَا هُوَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَيْسَ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ. وَمَتَى وُجِدَ الْحَيْضُ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ فَسَدَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، سَوَاءٌ وُجِدَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ، وَمَتَى نَوَتْ الْحَائِضُ الصَّوْمَ، وَأَمْسَكَتْ، مَعَ عِلْمِهَا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، أَتَمَّتْ، وَلَمْ يُجْزِئْهَا.
[مَسْأَلَةُ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ مِنْ رَمَضَانَ]
(٢٠٨٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ أَمْكَنَهَا الْقَضَاءُ فَلَمْ تَقْضِ حَتَّى مَاتَتْ، أُطْعِمَ عَنْهَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ مِنْ رَمَضَانَ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ إمْكَانِ الصِّيَامِ، إمَّا لِضِيقِ الْوَقْتِ، أَوْ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ عَجْزٍ عَنْ الصَّوْمِ، فَهَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: يَجِبُ الْإِطْعَامُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ سَقَطَ بِالْعَجْزِ عَنْهُ، فَوَجَبَ الْإِطْعَامُ عَنْ، كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ إذَا تَرَكَ الصِّيَامَ، لِعَجْزِهِ عَنْهُ.
وَلَنَا أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ بِالشَّرْعِ، مَاتَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ إمْكَانِ فِعْلِهِ، فَسَقَطَ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ، كَالْحَجِّ. وَيُفَارِقُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ. الْحَالُ الثَّانِي، أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، فِي الصَّحِيحِ عَنْهُمْ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُصَامُ عَنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا، قَالَتْ: يُطْعَمُ عَنْهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يُصَامُ عَنْهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ؟ يَصُومُ شَهْرًا، وَعَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ. قَالَ: أَمَّا رَمَضَانُ فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ، وَأَمَّا النَّذْرُ، فَيُصَامُ عَنْهُ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي (السُّنَنِ) . وَلِأَنَّ الصَّوْمَ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حَالَ الْحَيَاةِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوَفَاةِ، كَالصَّلَاةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute