[فَصْلٌ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَفَسَّرَهُ بِأَكْثَر مِنْهُ عَدَدًا أَوْ قَدْرًا]
(٣٨٦٥) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ. فَفَسَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ عَدَدًا أَوْ قَدْرًا، لَزِمَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَتُفَسَّرُ الزِّيَادَةُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَرَادَ، وَلَوْ حَبَّةً أَوْ أَقَلَّ. وَإِنْ قَالَ مَا عَلِمْت لِفُلَانٍ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا. وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَكْثَر مِنْهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَبْلَغَ الْمَالِ حَقِيقَةً لَا يُعْرَفُ فِي الْأَكْثَرِ، وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَيَمْلِكُ مَا لَا يَعْرِفُهُ الْمُقِرُّ، فَكَانَ الْمَرْجِعُ إلَى مَا اعْتَقَدَهُ الْمُقِرُّ مَعَ يَمِينِهِ، إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْهُ.
وَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَالِهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِمَالِهِ، لَمْ يَقْبَلْ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، سَوَاءٌ عَلِمَ مَالَ فُلَانٍ أَوْ جَهِلَهُ، أَوْ ذَكَرَ قَدْرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرُهُ، أَوْ قَالَهُ عَقِيبَ الشَّهَادَةِ بِقَدْرِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ بَقَاءً أَوْ مَنْفَعَةً أَوْ بَرَكَةً، لِكَوْنِهِ مِنْ الْحَلَالِ، أَوْ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفُ دِينَارٍ. فَقَالَ: لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ أَكْثَرُ مُبْهَمَةٌ، لِاحْتِمَالِهَا مَا ذَكَرْنَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَكْثَرَ مِنْهُ فُلُوسًا، أَوْ حَبَّ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ دَخَنٍ، فَرَجَعَ فِي تَفْسِيرِهَا إلَيْهِ.
وَهَذَا بَعِيدٌ؛ فَإِنَّ لَفْظَةَ أَكْثَرُ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً فِي الْعَدَدِ، أَوْ فِي الْقَدْرِ، وَتَنْصَرِفُ إلَى جِنْسِ مَا أُضِيفَ أَكْثَرُ إلَيْهِ، لَا يُفْهَمُ فِي الْإِطْلَاقِ غَيْرُ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ} [غافر: ٨٢] . وَأَخْبَرَ عَنْ الَّذِي قَالَ: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا} [الكهف: ٣٤] {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا} [سبأ: ٣٥] . وَالْإِقْرَارُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالظَّاهِرِ دُونَ مُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ، لَزِمَهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ جِيَادًا صِحَاحًا وَازِنَةً حَالَّةً.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ. لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهَا الْوَدِيعَةِ. وَلَوْ رَجَعَ إلَى مُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ لَسَقَطَ الْإِقْرَارُ. وَاحْتِمَالُ مَا ذَكَرُوهُ أَبْعَدُ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي لَمْ يَقْبَلُوا تَفْسِيرَهُ بِهَا، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى هَذَا.
[فَصْلٌ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا]
(٣٨٦٦) فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، إلَّا شَيْئًا. قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ، لِأَنَّ الشَّيْءَ يَحْتَمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ. فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا دُونَ النِّصْفِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إلَّا قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ مُبْهَمٌ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: إلَّا شَيْئًا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مُعْظَمُ أَلْفٍ، أَوْ جُلُّ أَلْفٍ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفٍ. لَزِمَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ، وَيَحْلِفُ عَلَى الزِّيَادَةِ إنْ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute