للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إذَا امْتَنَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي رَدُّهُ بِعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ ظَلَامَتَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ بَاعَ الْمُشْتَرِي بَعْض الْمَبِيع ثُمَّ ظُهْر عَلَى عَيْب فَلَهُ الْأَرْشُ]

(٣٠١٧) الْفَصْلُ الثَّالِثُ، إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْمَبِيعِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ، فَلَهُ الْأَرْشُ، لِمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ الْمَبِيعِ، وَفِي الْأَرْشِ لِمَا بَاعَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ أَرَادَ رَدَّ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً، أَوْ عَيْنَيْنِ يَنْقُصُهُمَا التَّفْرِيقُ، كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، وَزَوْجَيْ خُفٍّ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ، أَوْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَامْتِنَاعِ الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الْكَمَالِ، كَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ.

وَبِهَا قَالَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ يَنْقُصُهُمَا التَّفْرِيقُ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ؛ وَفِيمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا فَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ، إلَّا أَنْ يَرُدَّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعِيبًا بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، أَوْ نَقْصِ الْقِيمَةِ، بِغَيْرِ شَيْءٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخِرَقِيِّ أَرَادَ مَا إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ، فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يُسْقِطُ عَنْ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْبِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى.

وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ لَا يَنْقُصُهُمَا التَّفْرِيقُ، فَبَاعَ إحْدَاهُمَا، ثُمَّ وَجَدَ بِالْأُخْرَى عَيْبًا، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا كَانَتَا مَعِيبَتَيْنِ، فَهَلْ لَهُ رَدُّ الْبَاقِيَةِ فِي مِلْكِهِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ عَيْنَيْنِ. وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَا أَوْلَى.

(٣٠١٨) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى عَيْنَيْنِ، فَوَجَدَ بِإِحْدَاهُمَا عَيْبًا، وَكَانَا مِمَّا لَا يَنْقُصُهُمَا التَّفْرِيقُ، أَوْ مِمَّا لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، كَالْوَلَدِ مَعَ أُمِّهِ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّهُمَا جَمِيعًا، أَوْ إمْسَاكُهُمَا وَأَخْذُ الْأَرْشِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ، فَفِيهِمَا رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا، لَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّهُمَا، أَوْ أَخْذُ الْأَرْشِ مَعَ إمْسَاكِهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ يُبَعِّضُ الصَّفْقَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَا مِمَّا يَنْقُصُهُ التَّفْرِيقُ. وَالثَّانِيَةُ، لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ، وَإِمْسَاكُ الصَّحِيحِ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْمَعِيبِ عَلَى وَجْهٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ، فَجَازَ كَمَا لَوْ رَدَّ الْجَمِيعَ.

وَفَارَقَ مَا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ، فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا. وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ، أَوْ تَعَيَّبَ، أَوْ وَجَدَ بِالْآخَرِ أَوْ بِهِمَا عَيْبًا، فَأَرَادَ رَدَّهُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِمِ، لِأَنَّ قِيمَةَ التَّالِفِ إذَا زَادَتْ، زَادَ قَدْرُ مَا يَغْرَمُهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ.

فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَبِيعَانِ بَاقِيَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>