للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ الْحُرَّةُ فِي حِبَالَةِ غَيْرِهِ، فَلَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْغَائِبَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ؛ لِوُجْدَانِ الطَّوْلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِلطَّوْلِ إلَى حُرَّةٍ تُعِفُّهُ، فَأَشْبَهَ مَنْ لَا يَجِدُ شَيْئًا، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ ابْنَ السَّبِيلِ الَّذِي لَهُ الْيَسَارُ فِي بَلَدِهِ فَقِيرًا؛ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حُرَّةٌ يَتَمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا، وَالْعِفَّةُ بِهَا، فَلَيْسَ بِخَائِفٍ الْعَنَتَ.

[فَصَلِّ إنْ قَدَرَ عَلَى تَزْوِيج كِتَابِيَّةٍ تَعْفُهُ لَمْ يَحِلّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ]

(٥٤٠١) فَصْلٌ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَزْوِيجِ كِتَابِيَّةٍ تُعِفُّهُ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرُوا وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] . وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِذَلِكَ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٥] . وَهَذَا غَيْرُ خَائِفٍ لَهُ، وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى صِيَانَةِ وَلَدِهِ عَنْ الرِّقِّ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ إرْقَاقُهُ، كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ مُؤْمِنَةٍ.

[فَصْلٌ مَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَعِفّ بِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ]

(٥٤٠٢) فَصْلٌ: وَمَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ بِهَا، لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ وَالْمُسْلِمَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ.

[فَصْلٌ نِكَاح الْأُمَّة إنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لَكِنْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ ذَلِكَ]

(٥٤٠٣) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا، لَكِنْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلِصَاحِبِهِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ فِي الْحَالِ. وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيت الْحُرَّةُ بِتَأْخِيرِ صَدَاقِهَا، أَوْ تَفْوِيضِ بُضْعِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا مُطَالَبَتُهُ بِعِوَضِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ بَذَلَ لَهُ بَاذِلٌ أَنْ يَزِنَهُ عَنْهُ، أَوْ يَهَبَهُ إيَّاهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ؛ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ الْمِنَّةِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُزَوِّجُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَلَا يُجْحِفُ بِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَلَهُ التَّيَمُّمُ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: ٢٥] . وَهَذَا مُسْتَطِيعٌ، وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ بِمَا لَا يَضُرُّهُ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ إرْقَاقُ وَلَدِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَا نُسَلِّمُ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ، ثُمَّ هَذَا مُفَارِقٌ لِلتَّيَمُّمِ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ عَامَّةٌ، وَهَذَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ، وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لَا ضَرُورَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>