النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَى أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» . وَلَوْ جَعَلَ لَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ ثُلُثَ الْحِنْطَةِ، وَنِصْفَ الشَّعِيرِ، وَثُلُثَيْ الْبَاقِلَّا، وَبَيَّنَا قَدْرَ مَا يُزْرَعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، إمَّا بِتَقْدِيرِ الْبَذْرِ، وَإِمَّا بِتَقْدِيرِ الْمَكَانِ وَتَعْيِينِهِ، أَوْ بِمِسَاحَتِهِ، مِثْلَ أَنْ قَالَ: تَزْرَعُ هَذَا الْمَكَانَ حِنْطَةً، وَهَذَا شَعِيرًا، أَوْ تَزْرَعُ مُدَّيْنِ حِنْطَةً، وَمُدَّيْنِ شَعِيرًا، أَوْ تَزْرَعُ قَفِيزًا حِنْطَةً وَقَفِيزَيْنِ شَعِيرًا. جَازَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ طَرِيقٌ إلَى الْعِلْمِ، فَاكْتُفِيَ بِهِ.
[فَصْل سَاقَاهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَقَى سَيَّحَا فَلَهُ الثُّلُثُ وَإِنْ سَقَى بِكُلْفَةِ فَلَهُ النِّصْفُ]
(٤١١٥) فَصْلٌ: وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَقَى سَيْحًا فَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ سَقَى بِكُلْفَةٍ فَلَهُ النِّصْفُ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مَجْهُولٌ، وَالنَّصِيبَ مَجْهُولٌ، وَهُوَ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ، قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ. وَلَوْ قَالَ: لَك الْخُمُسَانِ، إنْ كَانَتْ عَلَيْك خَسَارَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك خَسَارَةٌ فَلَكَ الرُّبْعُ. لَمْ يَصِحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ: هَذَا شَرْطَانِ فِي شَرْطٍ. وَكَرِهَهُ. وَهَذَا فِي مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَيُخَرَّجُ فِيهَا مِثْلُ مَا خُرِّجَ فِيهَا
وَلَوْ سَاقَاهُ فِي هَذَا الْحَائِطِ بِالثُّلُثِ، عَلَى أَنْ يُسَاقِيَهُ فِي الْحَائِطِ الْآخَرِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ، فَصَارَ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُك ثَوْبِي، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي ثَوْبَك. وَإِنَّمَا فَسَدَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ عَقْدًا آخَرَ، وَالنَّفْعُ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ مَجْهُولٌ، فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ. الثَّانِي أَنَّ الْعَقْدَ الْآخَرَ لَا يَلْزَمُهُ بِالشَّرْطِ، فَيَسْقُطُ الشَّرْطُ، وَإِذَا سَقَطَ وَجَبَ رَدُّ الْجُزْءِ الَّذِي تَرَكَهُ مِنْ الْعِوَضِ لِأَجْلِهِ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، فَيَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا.
[فَصْلٌ سَاقَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ وَجَعَلَ لَهُ مِنْ الثَّمَرِ أَكْثَرِ مِنْ نَصِيبِهِ]
(٤١١٦) فَصْلٌ: وَإِنْ سَاقَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مِنْ الثَّمَرِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَجَعَلَ لَهُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الثَّمَرَةِ، صَحَّ، وَكَانَ السُّدُسُ حِصَّتَهُ مِنْ الْمُسَاقَاةِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: سَاقَيْتُك عَلَى نَصِيبِي بِالثُّلُثِ. وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ الثُّلُثُ، فَهِيَ مُسَاقَاةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ نِصْفَهَا بِمِلْكِهِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ شَيْئًا. وَإِذَا شَرَطَ لَهُ الثُّلُثَ، فَقَدْ شَرَطَ أَنَّ غَيْرَ الْعَامِلِ يَأْخُذُ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ ثُلُثَهُ، وَيَسْتَعْمِلُهُ بِلَا عِوَضٍ. فَلَا يَصِحُّ
فَإِذَا عَمِلَ فِي الشَّجَرِ بِنَاءً عَلَى هَذَا، كَانَتْ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ بِعَمَلِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ بِرِضَاهُ بِالْعَمَلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَنَا أَعْمَلُ فِيهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute