وَإِنْ عَدِمَ التَّمْرَ فِي مَوْضِعِهِ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ عَيْنٍ أَتْلَفَهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا.
(٢٩٨٧) فَصْلٌ: وَإِنْ عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ قَبْلَ حَلْبِهَا، مِثْلُ أَنْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ، أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَلَهُ رَدُّهَا، وَلَا شَيْءَ مَعَهَا؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إنَّمَا وَجَبَ بَدَلًا لِلَّبَنِ الْمُحْتَلَبِ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا، فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ» . وَلَمْ يَأْخُذْ لَهَا لَبَنًا هَاهُنَا، فَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ شَيْءٍ مَعَهَا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا لَوْ احْتَلَبَهَا وَتَرَك اللَّبَنَ بِحَالِهِ ثُمَّ رَدَّهَا، رَدَّ لَبَنهَا، وَلَا يُلْزِمُهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فَرَدَّهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهُ. فَإِنْ أَبَى الْبَائِعُ قَبُولَهُ، وَطَلَبَ التَّمْرَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، إذَا كَانَ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ نَقَصَ بِالْحَلْبِ، وَكَوْنُهُ فِي الضَّرْعِ أَحْفَظَ لَهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ قَدَرَ عَلَى رَدِّ الْمُبْدَلِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْبَدَلُ، كَسَائِرِ الْمُبْدَلَاتِ مَعَ أَبْدَالِهَا. وَالْحَدِيثُ الْمُرَادُ بِهِ رَدُّ التَّمْرِ حَالَةَ عَدَمِ اللَّبَنِ؛ لِقَوْلِهِ: «فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ» . وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى.
وَقَوْلُهُمْ إنَّ الضَّرْعَ أَحْفَظُ لَهُ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنْ إبْقَاؤُهُ فِي الضَّرْعِ عَلَى الدَّوَامِ، وَبَقَاؤُهُ يَضُرُّ بِالْحَيَوَانِ. وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ قَدْ تَغَيَّرَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ نَقَصَ بِالْحُمُوضَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ. وَالثَّانِي، يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِإِسْلَامِ الْمَبِيعِ، وَبِتَغْرِيرِ الْبَائِعِ، وَتَسْلِيطِهِ عَلَى حَلْبِهِ، فَلَمْ يَمْنَعُ الرَّدَّ، كَلَبَنِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ.
[فَصْلٌ إذَا رَضِيَ بِالتَّصْرِيَةِ فَأَمْسَكَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ]
(٢٩٨٨) فَصْلٌ: وَإِذَا رَضِيَ بِالتَّصْرِيَةِ فَأَمْسَكَهَا، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ، رَدَّهَا بِهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِعَيْبٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِعَيْبٍ آخَرَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَعْرَجَ، فَرَضِيَ بِعَيْبِهِ، ثُمَّ أَصَابَ بِهِ بَرَصًا. وَإِذَا رَدَّ لَزِمَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ عِوَضَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جُعِلَ عِوَضًا لَهُ فِيمَا إذَا رَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ، فَيَكُونُ عِوَضًا لَهُ مُطْلَقًا.
(٢٩٨٩) فَصْلٌ: وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فَاحْتَلَبَهَا، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، فَلَهُ الرَّدُّ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute