للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ فَتَلِفَتْ]

(٤٢٠٩) فَصْلٌ: وَإِذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةِ عَلَى عَيْنٍ، مِثْلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ، أَوْ لِرِعَايَةِ الْغَنَمِ، أَوْ جَمَلًا لِلْحَمْلِ أَوْ لِلرُّكُوبِ، فَتَلِفَتْ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِهَا. وَإِنْ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً، تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ. وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا، انْفَسَخَ الْعَقْدُ، وَلَمْ يَمْلِكْ إبْدَالَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى مُعَيَّنٍ، فَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا. وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ، انْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، فَمَتَى سَلَّمَ إلَيْهِ عَيْنًا فَتَلِفَتْ، لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، وَلَزِمَ الْمُؤَجِّرَ إبْدَالُهَا

وَإِنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً، لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ، وَلَزِمَهُ بَدَلُهَا. وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ غَيْرُ هَذِهِ الْعَيْنِ، وَهَذِهِ بَدَلٌ عَنْهُ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ تَلَفُهَا، وَلَا غَصْبُهَا، وَلَا رَدُّهَا بِعَيْبٍ فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، عَلَى مَا قُرِّرَ فِي مَوْضِعِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قُلْتُمْ فِي مَنْ اكْتَرَى جَمَلًا لِيَرْكَبَهُ جَازَ أَنْ يَرْكَبَهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ. وَلَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، جَازَ لَهُ زَرْعُ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إذَا اكْتَرَى جَمَلًا بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْدِلَهُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْعَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ غَيْرَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا، لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَهَا وَالرَّاكِبُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ

إنَّمَا هُوَ مُسْتَوْفٍ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ لِتُقَدَّرَ بِهِ الْمَنْفَعَةُ، لَا لِكَوْنِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّمَا يُعَيَّنُ لِيُعْرَفَ بِهِ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَوْفَاةِ، فَيَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِهَا، كَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَبِيعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْبَعِيرُ أَوْ الْأَرْضُ، انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاكِبُ، أَوْ تَلِفَ الْبَذْرُ، لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، وَجَازَ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، فَافْتَرَقَا.

[مَسْأَلَة اسْتَأْجَرَ عَقَارًا لِلسُّكْنَى]

مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَقَارًا، فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ غَيْرَهُ إذَا كَانَ يَقُومُ مَقَامَهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَقَارًا لِلسُّكْنَى، فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهُ، وَيُسْكِنَ فِيهِ مَنْ شَاءَ مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الضَّرَرِ، أَوْ دُونَهُ، وَيَضَعُ فِيهِ مَا جَرَتْ عَادَةُ السَّاكِنِ بِهِ، مِنْ الرِّحَالِ وَالطَّعَامِ، وَيَخْزُنُ فِيهَا الثِّيَابَ وَغَيْرَهَا مِمَّا لَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا يُسْكِنُهَا مَا يَضُرُّ بِهَا، مِثْلَ الْقَصَّارِينَ وَالْحَدَّادِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا. وَلَا يَجْعَلُ فِيهَا الدَّوَابَّ؛ لِأَنَّهَا تَرُوثُ فِيهَا وَتُفْسِدُهَا

وَلَا يَجْعَلُ فِيهَا السِّرْجِينَ، وَلَا رَحًى وَلَا شَيْئًا يَضُرُّ بِهَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا شَيْئًا ثَقِيلًا فَوْقَ سَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ يُثْقِلُهُ وَيَكْسِرُ خَشَبَهُ. وَلَا يَجْعَلُ فِيهَا شَيْئًا يَضُرُّ بِهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. وَإِنَّمَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>