وَلَنَا، أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، فَسَقَطَ مَهْرُهَا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ، أَوْ ارْتَدَّتْ، أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَفْسَخُ نِكَاحَهَا رَضَاعُهُ. وَقَوْلُهُ: وَجَبَ لِلسَّيِّدِ. قُلْنَا: لَكِنَّ بِوَاسِطَتِهَا وَلِهَذَا سَقَطَ نِصْفُهُ بِفَسْخِهَا، وَجَمِيعُهُ بِإِسْلَامِهَا وَرِدَّتِهَا
(٥٥٢٥) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً، فَفُرِضَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، فَهُوَ لِلسَّيِّدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فِي مِلْكِهِ لَا بِالْفَرْضِ. وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَجَبَ، وَالْمَوْتُ لَا يُوجِبُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْضِ، فَلَا شَيْءَ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ مُسَمًّى وَجَبَ نِصْفُهُ.
[فَصْلٌ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ]
(٥٥٢٦) فَصْلٌ: فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ أُعْتِقَتْ، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي نِكَاحٍ، وَلَا نِكَاحَ هَاهُنَا. وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا بَاقٍ، فَيُمْكِنُ فَسْخُهُ، وَلَهَا فِي الْفَسْخِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ رَجْعَتَهُ لَهَا فِي آخِرِ عِدَّتِهَا، فَتَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عِدَّةٍ أُخْرَى إذَا فَسَخَتْ، فَإِذَا فَسَخَتْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ، وَثَبَتَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عِدَّةٍ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَفْسَخْ. فَإِنْ قِيلَ: فَيَفْسَخُ حِينَئِذٍ؟ قُلْنَا: إذًا تَحْتَاجُ إلَى عِدَّةٍ أُخْرَى. وَإِذَا فَسَخَتْ فِي عِدَّتِهَا، ثَبَتَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَلَمْ تَحْتَجْ إلَى عِدَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْفَسْخُ لَا يُنَافِيهَا وَلَا يَقْطَعُهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أُخْرَى، وَيَنْبَنِي عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ. فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ، بَطَلَ خِيَارُهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهَا اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَ جَرَيَانِهَا إلَى الْبَيْنُونَةِ، وَذَلِكَ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْمَقَامِ. وَلَنَا، أَنَّهَا حَالَةٌ يَصِحُّ فِيهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ، فَصَحَّ اخْتِيَارُ الْمُقَامِ، كَصُلْبِ النِّكَاحِ. وَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا، لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَلِأَنَّ سُكُوتَهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ لِجَرَيَانِهَا إلَى الْبَيْنُونَةِ، اكْتِفَاءً مِنْهَا بِذَلِكَ
فَإِنْ ارْتَجَعَهَا، فَلَهَا الْفَسْخُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ فَسَخَتْ، ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا، بَقِيَتْ مَعَهُ بِطَلْقَةِ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ. وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ أُعْتِقَ، رَجَعَتْ مَعَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا، فَمَلَكَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ، كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ.
[فَصْلٌ طَلَّقَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا وَقَبْلَ اخْتِيَارِهَا]
(٥٥٢٧) فَصْلٌ: فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا، وَقَبْلَ اخْتِيَارِهَا، أَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ وَالْمَجْنُونَةَ بَعْدَ الْعِتْق، وَقَعَ طَلَاقُهُ، وَبَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ زَوْجٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَنَفَذَ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْتِقْ. وَقَالَ الْقَاضِي: طَلَاقُهُ مَوْقُوفٌ. فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّهَا مِنْ الْخِيَارِ، وَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ وَقَعَ. وَلِلشَّافِعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute