وَإِنْ اجْتَمَعَ نَجَاسَةٌ عَلَى الثَّوْبِ، وَنَجَاسَةٌ عَلَى الْبَدَنِ، وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا، غَسَلَ الثَّوْبَ، وَتَيَمَّمَ لِنَجَاسَةِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ لِلتَّيَمُّمِ فِيهَا مَدْخَلًا.
[فَصْل اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ وَمَعَهُمْ مَاءٌ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمْ]
(٣٩٤) فَصْلٌ: وَإِذَا اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ، وَمَعَهُمْ مَاءٌ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمْ؛ فَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالِكُهُ الْمَيِّتَ أَوْ أَحَدَ الْحَيَّيْنِ. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لِغَيْرِهِمْ، وَأَرَادَ أَنْ يَجُودَ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمْ، فَعَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، الْمَيِّتُ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ طَهَارَةً كَامِلَةً، وَالْحَيُّ يَرْجِعُ إلَى الْمَاءِ فَيَغْتَسِلُ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ تَنْظِيفُهُ، وَلَا يَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ، وَالْحَيُّ يُقْصَدُ بِغُسْلِهِ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ.
وَالثَّانِيَةُ الْحَيُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِالْغُسْلِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَالْمَيِّتُ قَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ. اخْتَارَ هَذَا الْخَلَّالُ. وَهَلْ يُقَدَّمُ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْحَائِضُ؛ لِأَنَّهَا تَقْضِي حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقَّ زَوْجِهَا فِي إبَاحَةِ وَطْئِهَا.
وَالثَّانِي: الْجُنُبُ إذَا كَانَ رَجُلًا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصْلُحُ إمَامًا لَهَا، وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِإِمَامَتِهِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمْ نَجَاسَةٌ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ. وَإِنْ وَجَدُوا الْمَاءَ فِي مَكَان فَهُوَ لِلْأَحْيَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَجِدُ شَيْئًا. وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ، فَفَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ حَاضِرٌ، فَلِلْحَيِّ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ إتْلَافُهُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ، فَيَأْخُذَهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ.
وَإِنْ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمُحْدِثٌ، فَالْجُنُبُ أَحَقُّ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُحْدِثُ. وَإِنْ كَانَ وَفْقَ حَاجَةِ الْمُحْدِثِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ طَهَارَةً كَامِلَةً. وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَالْجُنُبُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ تَطْهِيرَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ. وَإِنْ كَانَ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَفْضُلُ مِنْهُ فَضْلَةٌ لَا تَكْفِي الْآخَرَ، فَالْمُحْدِثُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فَضْلَتَهُ يُمْكِنُ لِلْجُنُبِ اسْتِعْمَالُهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجُنُبَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِغُسْلِهِ مَا لَا يَسْتَفِيدُ الْمُحْدِثُ. وَإِذَا تَغَلَّبَ مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى الْمَاءِ، فَاسْتَعْمَلَهُ، كَانَ مُسِيئًا وَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا رَجَحَ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute