تَأْخِيرُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، كَالدَّيْنِ، وَكَمَا فِي الْعَبِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُخَالِفُ قِسْمَةَ الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ إفْرَازُ النَّصِيبَيْنِ، وَتَمْيِيزُ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَجَازَ فِيهِ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، كَقِسْمَةِ التَّرَاضِي، وَلَا يَلْزَمُ، بَلْ مَتَى رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْهَا، انْتَقَضَتْ الْمُهَايَأَةُ. وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَانْتَقَضَتْ الْمُهَايَأَةُ. وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي انْتِقَاضِهَا بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَلْزَمُ الْمُهَايَأَةُ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ، فَلَزِمَتْ، كَقِسْمَةِ الْأَصْلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ بَذَلَ مَنَافِعَ لِيَأْخُذَ مَنَافِعَ مِنْ غَيْرِ إجَارَةٍ، فَلَمْ يَلْزَمْ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا لِيُعِيرَهُ شَيْئًا آخَرَ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَفَارَقَ الْقِسْمَةَ، فَإِنَّهَا إفْرَازُ حَقٍّ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ اقْتَسَمُوا دَارًا وَحَصَلَ لِبَعْضِهِمْ فِيهَا زِيَادَةُ أَذْرُعٍ وَلِبَعْضِهِمْ نُقْصَانٌ ثُمَّ بَاعُوا الدَّارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً]
(٨٣٢٥) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي قَوْمٍ اقْتَسَمُوا دَارًا، وَحَصَلَ لِبَعْضِهِمْ فِيهَا زِيَادَةُ أَذْرُعٍ، وَلِبَعْضِهِمْ نُقْصَانٌ، ثُمَّ بَاعُوا الدَّارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً: قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْأَذْرُعِ. يَعْنِي أَنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِيهَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ أَحَدِهِمَا فِي الْأَذْرُعِ كَزِيَادَةِ مِلْكِهِ فِيهَا. مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا الْخُمُسَانِ، فَيَحْصُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، فَيَحْصُلَ لَهُ سِتُّونَ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فِي الدَّارِ، فَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةُ الْأَذْرُعِ لِرَدَاءَةِ مَا أَخَذَهُ صَاحِبُهَا، مِثْلُ دَارٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ مِنْ جَيِّدِهَا أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَأَخَذَ الْآخَرُ مِنْ رَدِيئِهَا سِتِّينَ ذِرَاعًا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْأَذْرُعِ، بَلْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ السِّتِّينَ هَاهُنَا مَعْدُولَةٌ بِالْأَرْبَعِينَ، فَكَذَلِكَ يَعْدِلُ بِهَا فِي الثَّمَنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي قَوْمٍ اقْتَسَمُوا دَارًا كَانَتْ أَرْبَعَةَ سُطُوحٍ، يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ، فَلَمَّا اقْتَسَمُوا أَرَادَ أَحَدُهُمْ مَنْعَ جَرَيَانِ مَاءِ الْآخَرِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ قَدْ صَارَ لِي. قَالَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ أَنَّهُ يَرُدُّ الْمَاءَ، فَلَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ وَأَطْلَقُوا، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَمْلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ بِحُقُوقِهَا، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِحُقُوقِهَا، وَمِنْ حَقِّهَا جَرَيَانُ مَائِهَا فِي مَاءٍ كَانَ يَجْرِي إلَيْهِ مُعْتَادٍ لَهُ، وَهُوَ عَلَى سَطْحِ الْمَانِعِ، فَلِهَذَا اسْتَحَقَّهُ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ تَشَارَطَا عَلَى رَدِّهِ، فَالشَّرْطُ أَمْلَكُ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا اقْتَسَمَا دَارًا، فَحَصَلَ الطَّرِيقُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَكَانَ لِنَصِيبِ الْآخَرِ مَنْفَذٌ يَتَطَرَّقُ مِنْهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقْتَضِي التَّعْدِيلَ، وَالنَّصِيبُ الَّذِي لَا طَرِيقَ لَهُ لَا قِيمَةَ لَهُ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute