فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَر، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَادِي مُنَادِيهِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، أَوْ اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ ذَاتِ الرِّيحِ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ.
وَالثَّانِي، لَا يُبِيحُهُ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ دُونَ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَطَرِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَشَقَّتَهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَشَقَّةِ الْمَطَرِ، وَلَا ضَابِطَ لِذَلِكَ يَجْتَمِعَانِ فِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ إلْحَاقُهُ بِهِ.
[فَصْلٌ هَلْ يَجُوزُ جَمْعُ لِمُنْفَرِدِ]
(١٢٥٩) فَصْلٌ: هَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِمُنْفَرِدٍ، أَوْ مَنْ كَانَ طَرِيقُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فِي ظِلَالٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَطَرِ إلَيْهِ، أَوْ مَنْ كَانَ مُقَامُهُ فِي الْمَسْجِدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ إذَا وُجِدَ اسْتَوَى فِيهِ حَالُ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا، كَالسَّفَرِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ الْعَامَّةَ إذَا وُجِدَتْ أَثْبَتَتْ الْحُكْمَ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ، كَالسَّلَمِ، وَإِبَاحَةِ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ فِي الْمَطَرِ، وَلَيْسَ بَيْنَ حُجْرَتِهِ وَالْمَسْجِدِ شَيْءٌ. وَالثَّانِي، الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ، فَيَخْتَصُّ بِمَنْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ، دُونَ مَنْ لَا تَلْحَقُهُ؛ كَالرُّخْصَةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، يَخْتَصُّ بِمَنْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ، دُونَ مِنْ لَا تَلْحَقُهُ، كَمَنْ فِي الْجَامِعِ وَالْقَرِيبِ مِنْهُ.
[فَصْلٌ جَمْعُ الصَّلَاة لِأَجْلِ الْمَرَضِ]
(١٢٦٠) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ الْمَرَضِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ أَخْبَارَ التَّوْقِيتِ ثَابِتَةٌ، فَلَا تُتْرَكُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ.» وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ لِمَرَضٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا عِنْدِي رُخْصَةٌ لِلْمَرِيضِ وَالْمُرْضِعِ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute