وَلَنَا أَنَّهَا جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْقِصَاصِ لَوْ لَمْ تَسْرِ، فَأَوْجَبَتْهُ إذَا سَرَتْ، كَاَلَّتِي تَسْرِي إلَى سُقُوطِ أُخْرَى، وَكَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ حُبْلَى فَسَرَى إلَى جَنِينِهَا. وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا ذَكَرَهُ.
وَفَارَقَ الْأَصْلَ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلْقِصَاصِ، كَاقْتِضَاءِ الْفِعْلِ لَهُ، فَاسْتَوَى حُكْمُهُمَا، وَهَا هُنَا بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْقَطْعَ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ، سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي الْقَطْعِ، وَوَجَبَ فِي النَّفْسِ، فَخَالَفَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ حُكْمَ السِّرَايَةِ، فَسَقَطَ مَا قَالَهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ فِي مَالِهِ، وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ جِنَايَةُ عَمْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِيهِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَطْعِ وَالشَّلَلِ، فَإِذَا قَطَعَ إصْبَعَهُ فَشُلَّتْ أَصَابِعُهُ الْبَاقِيَةُ وَكَفُّهُ، فَعَفَا عَنْ الْقِصَاصِ، وَجَبَ لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ اقْتَصَّ مِنْ الْإِصْبَعِ، فَلَهُ فِي الْأَصَابِعِ الْبَاقِيَةِ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ، وَيَتْبَعُهَا مَا حَاذَاهَا مِنْ الْكَفِّ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ، فَيَدْخُلُ أَرْشُهُ فِيهَا، وَيَبْقَى خُمْسُ الْكَفِّ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا يَتْبَعُهَا فِي الْأَرْشِ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ.
وَالثَّانِي، فِيهِ الْحُكُومَةُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْأَرْبَعَ تَبِعَهَا فِي الْأَرْشِ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ، وَحُكْمُ الَّتِي اقْتَصَّ مِنْهَا مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَرْشِ، فَلَمْ يَتْبَعْهَا.
[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إلَّا بَعْدَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ]
(٦٧٢٤) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إلَّا بَعْدَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الِانْتِظَارَ بِالْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا، أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِصَاصُ قَبْلَ الْبُرْءِ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: إنَّهُ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ، يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَلَوْ سَأَلَ الْقَوَدَ سَاعَةَ قُطِعَتْ إصْبَعُهُ، أَقَدْتُهُ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ، «أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِدْنِي. قَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ. فَأَبَى، وَعَجَّلَ، فَاسْتَقَادَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَيِيَتْ رِجْلُ الْمُسْتَقِيدِ، وَبَرَأَتْ رِجْلُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ لَك شَيْءٌ عَجَّلَتْ» رَوَاهُ سَعِيدٌ مُرْسَلًا.
وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ مِنْ الطَّرَفِ لَا يَسْقُطُ بِالسِّرَايَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ بَرَأَ. وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَهَى أَنْ يُسْتَقَادَ مِنْ الْجُرُوحِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ.» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِأَنَّ الْجُرْحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute