للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: يَكُونَانِ لِلْعَامِلِ، وَعَلَيْهِ أَدَاءُ رَأْسِ الْمَالِ، وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْخُسْرَانُ عَلَيْهِ. وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ، كَالْوَجْهَيْنِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، فَلَا يَزُولُ بِالِاشْتِبَاهِ عَنْ جَمِيعِهِ، وَلَا عَنْ بَعْضِهِ، بِغَيْرِ رِضَاهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُونَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّنَا لَوْ جَعَلْنَاهُمَا لِلْمُضَارِبِ، أَدَّى إلَى أَنْ يَكُونَ تَفْرِيطُهُ سَبَبًا لِانْفِرَادِهِ بِالرِّبْحِ، وَحِرْمَانِ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ، وَعَكْسُ ذَلِكَ أَوْلَى، وَإِنْ جَعَلْنَاهُمَا شَرِيكَيْنِ، أَدَّى إلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا رِبْحَ مَالِ الْآخَرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ.

[فَصْل تَعَدَّى الْمُضَارِبُ وَفَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ]

(٣٦٨٢) فَصْلٌ: إذَا تَعَدَّى الْمُضَارِبُ، وَفَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ، أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا نُهِيَ عَنْ شِرَائِهِ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَنَافِعٍ، وَإِيَاسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ شُورِكَ فِي الرِّبْحِ.

وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَلَنَا أَنَّهُ، مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَالْغَاصِبِ. وَلَا نَقُولُ بِمُشَارَكَتِهِ فِي الرِّبْحِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَتَى اشْتَرَى مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ، فَرَبِحَ فِيهِ، فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ، وَنَافِعٌ وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُمَا يَتَصَدَّقَانِ بِالرِّبْحِ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ.

قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُ أَحْمَدَ: يَتَصَدَّقَانِ بِالرِّبْحِ. عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ، وَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي الْقَضَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَمَالِكٌ: الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَعَدٍّ، فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، كَمَا لَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ، وَرَكِبَ دَابَّةً لَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا.

وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ نَقَدَ الْمَالَ، فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ. وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ، فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ، فَإِنْ أَجَازَهُ، صَحَّ، وَإِلَّا بَطَلَ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَرْوِ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ إلَّا حَنْبَلٌ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو لَبِيدٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْن الْجَعْدِ، قَالَ: «عَرَضَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَبٌ، فَأَعْطَانِي دِينَارًا، فَقَالَ: عُرْوَةُ، ائْتِ الْجَلَبَ، فَاشْتَرِ لَنَا شَاةً. فَأَتَيْت الْجَلَبَ، فَسَاوَمْت صَاحِبَهُ، فَاشْتَرَيْت شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فَجِئْت أَسُوقُهُمَا أَوْ أَقُودُهُمَا، فَلَقِيَنِي رَجُلٌ بِالطَّرِيقِ، فَسَاوَمَنِي، فَبِعْت مِنْهُمَا شَاةً بِالدِّينَارِ، فَجِئْت بِالدِّينَارِ وَبِالشَّاةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا دِينَارُكُمْ، وَهَذِهِ شَاتُكُمْ. قَالَ: وَكَيْفَ صَنَعْت؟ فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ.»

<<  <  ج: ص:  >  >>