[فَصْلٌ شَرْط صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]
(١٤٨٢) فَصْلٌ: وَهَلْ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الصَّلَاةِ إذْنُ الْإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، لَا يُسْتَحَبُّ إلَّا بِخُرُوجِ الْإِمَامِ، أَوْ رَجُلٍ مِنْ قِبَلِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِذَا خَرَجُوا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ دَعَوْا، وَانْصَرَفُوا بِلَا صَلَاةٍ وَلَا خُطْبَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَعَنْهُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَيَخْطُبُ بِهِمْ أَحَدُهُمْ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الِاسْتِسْقَاءُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ؛ مُقِيمٍ، وَمُسَافِرٍ، وَأَهْلِ الْقُرَى، وَالْأَعْرَابِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَافِلَةٍ، فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهَا، وَإِنَّمَا فَعَلَهَا عَلَى صِفَةٍ، فَلَا يَتَعَدَّى تِلْكَ الصِّفَةَ، وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّاهَا بِأَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَلَا تُشْرَعُ إلَّا فِي مِثْلِ تِلْكَ الصِّفَةِ.
[فَصْلٌ يَسْتَسْقِي بِمِنْ ظُهْر صَلَاحه]
(١٤٨٣) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَسْقَى بِمَنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إجَابَةِ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اسْتَسْقَى عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ بِالْعَبَّاسِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا عَمُّ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَتَوَجَّهُ إلَيْك بِهِ فَاسْقِنَا. فَمَا بَرِحُوا حَتَّى سَقَاهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَلَمَّا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: أَيْنَ يَزِيدُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيُّ؟ فَقَامَ يَزِيدُ، فَدَعَاهُ مُعَاوِيَةُ، فَأَجْلَسَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَشْفِعُ إلَيْك بِخَيْرِنَا وَأَفْضَلِنَا يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، يَا يَزِيدُ، ارْفَعْ يَدَيْكَ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى، فَثَارَتْ فِي الْغَرْبِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، وَهَبَّ لَهَا رِيحٌ، فَسُقُوا حَتَّى كَادُوا لَا يَبْلُغُونَ مَنَازِلَهُمْ. وَاسْتَسْقَى بِهِ الضَّحَّاكُ مَرَّةً أُخْرَى.
[مَسْأَلَةٌ كم مَرَّةً يَخْرُجُونَ لِلِاسْتِسْقَاءِ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ سُقُوا، وَإِلَّا عَادُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: لَا يَخْرُجُونَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْرُجْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ ذَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَدَعَوْا، وَيَدْعُو الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَيُؤَمِّنُ النَّاسُ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا أَبْلَغُ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» .
وَأَمَّا النَّبِيُّ فَلَمْ يَخْرُجْ ثَانِيًا؛ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْخُرُوجِ بِإِجَابَتِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَالْخُرُوجُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى آكَدُ مِمَّا بَعْدَهَا؛ لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute