الثَّالِثُ، أَنْ يَخِيطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ، فَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِ الْغَاصِبِ، وَخِيفَ تَلَفُهُ بِقَلْعِهِ، لَمْ يُقْلَعْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِصَاحِبِهِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ، وَلَا يَجِبُ إتْلَافُ مَالٍ مَنْ لَمْ يَجْنِ صِيَانَةً لَمَالٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لِلْغَاصِبِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجِبُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ وَالِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ نَقْصٌ عَلَى الْغَاصِبِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعِ مِنْ وُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ، كَنَقْصِ الْبِنَاءِ لِرَدِّ الْحَجَرِ الْمَغْصُوبِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، هَذَا. وَالثَّانِي، لَا يَجِبُ قَلْعُهُ؛ لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلِهِ.» وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ مِنْ الْحَيَوَانِ، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالدَّجَاجِ وَأَكْثَرِ الطَّيْرِ، وَبَيْنَ مَا لَا يُعَدُّ لَهُ، كَالْخَيْلِ وَالطَّيْرِ الْمَقْصُودِ صَوْتُهُ؛ فَالْأَوَّلُ يَجِبُ ذَبْحُهُ إذَا تَوَقَّفَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي، لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهُ إتْلَافٌ لَهُ، فَجَرَى مَجْرَى مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ.
وَمَتَى أَمْكَنَ رَدُّ الْخَيْطِ مِنْ غَيْرِ تَلَفِ الْحَيَوَانِ، أَوْ تَلَفِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، أَوْ ضَرَرٍ كَثِيرٍ، وَجَبَ رَدُّهُ.
[فَصْلٌ غَصْب فَصِيلًا فَأَدْخَلَهُ دَارِهِ فَكَبِرَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَابِ]
(٣٩٨٥) فَصْلٌ: وَإِنْ غَصَبَ فَصِيلًا، فَأَدْخَلَهُ دَارِهِ، فَكَبِرَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَابِ، أَوْ خَشَبَةً وَأَدْخَلَهَا دَارِهِ، ثُمَّ بَنَى الْبَابَ ضَيِّقًا، لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِنَقْضِهِ، وَجَبَ نَقْضُهُ، وَرَدُّ الْفَصِيلِ وَالْخَشَبَةِ، كَمَا يُنْقَضُ الْبِنَاءُ لِرَدِّ السَّاجَةِ، فَإِنْ كَانَ حُصُولُهُ فِي الدَّارِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ، نَقَضَ الْبَابَ، وَضَمَانُهُ عَلَى صَاحِبِ الْفَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ. وَأَمَّا الْخَشَبَةُ فَإِنْ كَانَ كَسْرُهَا أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ نَقْضِ الْبَابِ، فَهِيَ كَالْفَصِيلِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ، كُسِرَتْ.
وَيَحْتَمِلُ فِي الْفَصِيلِ مِثْلَ هَذَا، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ ذَبْحُهُ أَقَلَّ ضَرَرًا، ذُبِحَ وَأُخْرِجَ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَشَبَةِ، وَإِنْ كَانَ حُصُولُهُ فِي الدَّارِ بِعِدْوَانٍ مِنْ صَاحِبِهِ، كَرَجُلٍ غَصَبَ دَارًا فَأَدْخَلَهَا فَصِيلًا، أَوْ خَشَبَةً، أَوْ تَعَدَّى عَلَى إنْسَانٍ، فَأَدْخَلَ دَارِهِ فَرَسًا وَنَحْوَهَا، كَسَرَتْ الْخَشَبَةُ، وَذُبِحَ الْحَيَوَانُ، وَإِنْ زَادَ ضَرَرُهُ عَلَى نَقْضِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذَا الضَّرَرِ عُدْوَانُهُ، فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا خَوَابِي لَا تَخْرُجُ إلَّا بِنَقْضِ الْبَابِ، أَوْ خَزَائِنُ أَوْ حَيَوَانٌ، وَكَانَ نَقْضُ الْبَابِ أَقَلَّ ضَرَرًا مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي الدَّارِ، أَوْ تَفْصِيلِهِ، أَوْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ نُقِضَ، وَكَانَ إصْلَاحُهُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ ضَرَرًا، لَمْ يُنْقَضْ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَيَصْطَلِحَانِ عَلَى ذَلِكَ، إمَّا بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشْتَرِي الدَّارِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute