للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظُهْرًا، إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُمْ فِعْلُ الْجُمُعَةِ مَرَّةً أُخْرَى، فَيُعِيدُونَهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا عَنْ أَحْمَدَ، إنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ الصَّلَاةَ.

وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَقَالَ: قَدْ نَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ فِي الَّذِي زُحِمَ عَنْ أَفْعَالِ الْجُمُعَةِ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ، يُتِمُّهَا ظُهْرًا، وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ قَدْ تَقَدَّمَ.

[مَسْأَلَةٌ إذَا كَانَ الْبَلَدُ كَبِيرًا يَحْتَاجُ إلَى جَوَامِعَ فَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِي جَمِيعِهَا جَائِزَةٌ]

(١٣٤٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْبَلَدُ كَبِيرًا يَحْتَاجُ إلَى جَوَامِعَ، فَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِي جَمِيعِهَا جَائِزَةٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْبَلَدَ مَتَى كَانَ كَبِيرًا، يَشُقُّ عَلَى أَهْلِهِ الِاجْتِمَاعُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَيَتَعَذَّرُ ذَلِكَ لِتَبَاعُدِ أَقْطَارِهِ، أَوْ ضِيقِ مَسْجِدِهِ عَنْ أَهْلِهِ، كَبَغْدَادَ وَأَصْبَهَانَ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَمْصَارِ الْكِبَارِ، جَازَتْ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ جَوَامِعِهَا، وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ.

وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي بَغْدَادَ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ فِيهَا فِي مَوْضِعَيْنِ، وَالْجُمُعَةُ حَيْثُ تُقَامُ الْحُدُودُ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: إنَّهُ لَوْ وُجِدَ بَلَدٌ آخَرُ تُقَامُ فِيهِ الْحُدُودُ فِي مَوْضِعَيْنِ، جَازَتْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ حَيْثُ تُقَامُ الْحُدُودُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يُجَمِّعُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ» وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَلَوْ جَازَ لَمْ يُعَطِّلُوا الْمَسَاجِدَ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا تُقَامُ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ، الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْإِمَامُ.

وَلَنَا، أَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ، فَجَازَتْ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ، كَصَلَاةِ الْعِيدِ.

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَلِيًّا، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْعِيدِ إلَى الْمُصَلَّى، وَيَسْتَخْلِفُ عَلَى ضَعَفَةِ النَّاسِ أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ، فَيُصَلِّي بِهِمْ. فَأَمَّا تَرْكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إقَامَةَ جُمُعَتَيْنِ، فَلِغِنَاهُمْ عَنْ إحْدَاهُمَا، وَلِأَنَّ أَصْحَابَهُ كَانُوا يَرَوْنَ سَمَاعَ خُطْبَتِهِ، وَشُهُودَ جُمُعَتِهِ، وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِلُهُمْ، لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَارِعُ الْأَحْكَامِ، وَلَمَّا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ صُلِّيَتْ فِي أَمَاكِنَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَصَارَ إجْمَاعًا.

وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، يَعْنِي أَنَّهَا لَا تُقَامُ فِي الْمَسَاجِدِ الصِّغَارِ وَيُتْرَكُ الْكَبِيرُ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، فَلَا وَجْهَ لَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: أَيُّ حَدٍّ كَانَ يُقَامُ بِالْمَدِينَةِ، قَدِمَهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُمْ مُخْتَبِئُونَ فِي دَارٍ، فَجَمَّعَ بِهِمْ وَهُمْ أَرْبَعُونَ. (١٣٤٦)

فَصْلٌ: فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَلَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، وَإِنْ حَصَلَ الْغِنَى بِاثْنَتَيْنِ لَمْ تَجُزْ الثَّالِثَةُ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا مُخَالِفًا، إلَّا أَنَّ عَطَاءً قِيلَ لَهُ: إنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ لَا يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ الْأَكْبَرُ.

قَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ مَسْجِدٌ يُجَمِّعُونَ فِيهِ، وَيُجْزِئُ ذَلِكَ مِنْ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ. وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْلَى، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ أَنَّهُمْ جَمَّعُوا أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ، إذْ لَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْأَحْكَامِ بِالتَّحَكُّمِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَإِنْ صَلَّوْا جُمُعَتَيْنِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَإِحْدَاهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>