مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي لَفْظٍ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالْكُفْرِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ، كَالْمُسْتَأْمَنِ، وَالْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَاتٌ بِحَدِيثِنَا، وَحَدِيثُهُمْ لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ. قَالَهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ. يَرْوِيه ابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ إذَا أَسْنَدَ، فَكَيْفَ إذَا أَرْسَلَ؟ وَالْمَعْنَى فِي الْمُسْلِمِ أَنَّهُ مُكَافِئٌ لِلْمُسْلِمِ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ، فَأَمَّا الْمُسْتَأْمَنُ، فَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ الْجَمَاعَةَ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقَادُ بِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْهُ: يُقْتَلُ بِهِ؛ لِمَا سَبَقَ فِي الذِّمِّيِّ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
[فَصْلٌ قَتَلَ كَافِرٌ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ]
(٦٥٩٣) فَصْلٌ فَإِنْ قَتَلَ كَافِرٌ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ، أَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ، وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْتَصُّ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ وُجُوبِهَا دُونَ حَالِ اسْتِيفَائِهَا، كَالْحُدُودِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِسْلَامِهِ، كَالدَّيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْتَلَ بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَلَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ، كَمَا لَوْ كَانَ مُؤْمِنًا حَالَ قَتْلِهِ، وَلِأَنَّ إسْلَامَهُ لَوْ قَارَنَ السَّبَبَ، مَنَعَ عَمَلَهُ، فَإِذَا طَرَأَ أَسْقَطَ حُكْمَهُ.
[فَصْلٌ جَرَحَ مُسْلِمٌ كَافِرًا فَأَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا]
(٦٥٩٤) فَصْلٌ وَإِنْ جَرَحَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، فَأَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ، ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا بِسِرَايَةِ الْجُرْحِ، لَمْ يُقْتَلْ بِهِ قَاتِلُهُ؛ لِأَنَّ التَّكَافُؤَ مَعْدُومٌ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَعَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَرْشِ بِحَالَةِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ، فَسَرَى إلَى نَفْسِهِ، دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ اُعْتُبِرَ حَالَ الْجُرْحِ، وَجَبَ دِيَتَانِ، وَلَوْ قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ، ثُمَّ عَتَقَ وَمَاتَ، لَمْ يَجِبْ قِصَاصٌ؛ لِعَدَمِ التَّكَافُؤِ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَعَلَى الْجَانِي دِيَةُ حُرٍّ اعْتِبَارًا بِحَالِ الِاسْتِقْرَارِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَلِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ، مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ، أَوْ نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ، فَهِيَ الَّتِي وُجِدَتْ فِي مِلْكِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ حَصَلَ بَحْرِيَّته، وَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا حَصَلَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الدِّيَةَ، لَمْ يَسْتَحِقّ أَكْثَرِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ حَصَلَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ، وَإِعْتَاقُهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فِي مَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ، ثُمَّ أُعْتِقَ وَمَاتَ، أَنَّ عَلَى الْجَانِي قِيمَتَهُ لِلسَّيِّدِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْجِنَايَةِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ. أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute