إذَا زَنَيْت فَأَجِدْ نِكَاحًا
فَحُمِلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَفِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلَى الْوَطْءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا} [النساء: ٢٢]
وَهَذَا التَّغْلِيظُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَطْءِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا» وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: (مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا) فَذَكَرْته لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَأَعْجَبَهُ وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ مِنْ التَّحْرِيمِ بِالْوَطْءِ الْمُبَاحِ تَعَلَّقَ بِالْمَحْظُورِ كَوَطْءِ الْحَائِضِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ يُفْسِدُهُ الْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ، فَأَفْسَدَهُ الْوَطْءُ الْحَرَامُ كَالْإِحْرَامِ، وَحَدِيثُهُمْ لَا نَعْرِفُ صِحَّتَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَشْوَعَ وَبَعْضِ قُضَاةِ الْعِرَاقِ كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَطْءُ الصَّغِيرَةِ مَمْنُوعٌ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ.
[فَصْلٌ الْوَطْءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]
(٥٣٥٦) فَصْلٌ: وَالْوَطْءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ مُبَاحٌ، وَهُوَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُعْتَبَرُ مَحْرَمًا لِمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، أَشْبَهَ النَّسَبَ. الثَّانِي: الْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ، وَهُوَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ شِرَاءٍ فَاسِدٍ، أَوْ وَطْءُ امْرَأَةٍ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ وَطْءُ الْأَمَةِ. الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَأَشْبَاهُ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَتَعَلُّقِهِ بِالْوَطْءِ الْمُبَاحِ إجْمَاعًا.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَطِئَ امْرَأَةً بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ، أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَجْدَادِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، فَأَثْبَتَ التَّحْرِيمَ، كَالْوَطْءِ الْمُبَاحِ. وَلَا يَصِيرُ بِهِ الرَّجُلُ مَحْرَمًا لِمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَلَا يُبَاحُ لَهُ بِهِ النَّظَرُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ بِمُبَاحٍ؛ وَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِكَمَالِ حُرْمَةِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ لَمْ يَسْتَبِحْ النَّظَرُ إلَيْهَا فَلَأَنْ لَا يَسْتَبِيحَ النَّظَرُ إلَى غَيْرِهَا أَوْلَى.
الثَّالِثُ: الْحَرَامُ الْمَحْضُ، وَهُوَ الزِّنَا، فَيَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ، عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَلَا تَثْبُتُ بِهِ الْمَحْرَمِيَّةُ، وَلَا إبَاحَةُ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ، فَبِالْحَرَامِ الْمَحْضِ أَوْلَى، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبٌ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الْمَهْرُ إذَا طَاوَعَتْهُ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute