الْإِقَالَةِ فِي بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ.
وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْفَسْخَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ. انْفَسَخَ فِي الْمَفْقُودِ دُونَ الْمَوْجُودِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْفَسَادَ الطَّارِئَ عَلَى بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْجَمِيعِ، وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ فِي الْمَوْجُودِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
[فَصْلٌ أَسْلَمَ نَصْرَانِيّ إلَى نَصَّرَانِي فِي خَمْر ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا]
(٣٢٣٠) فَصْلٌ: إذَا أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ إلَى نَصْرَانِيٍّ فِي خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا. فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مِنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَأْخُذُ دَرَاهِمَهُ. كَذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَبِهِ نَقُولُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الْمُسَلِّمَ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْخَمْرِ، فَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إيفَاؤُهَا، فَصَارَ الْأَمْرُ إلَى رَأْسِ مَالِهِ.
[مَسْأَلَةٌ قَبْضُ الثَّمَن كَامِلًا وَقْتَ السَّلَم قَبْلَ التَّفَرُّقِ]
(٣٢٣١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ كَامِلًا وَقْتَ السَّلَمَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ) هَذَا الشَّرْطُ السَّادِسُ، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ الْعَقْدُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَكْثَرَ، مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ لَا يَخْرُجُ بِتَأْخِيرِ قَبْضِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَلَمًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَأَخَّرَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ تَأْخِيرِ الْعِوَضِ الْمُطْلَقِ، فَلَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَالصَّرْفِ وَيُفَارِقُ الْمَجْلِسُ مَا بَعْدَهُ، بِدَلِيلِ الصَّرْفِ. وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَهُ، ثُمَّ تَفَرَّقَا، فَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِقَوْلِهِ: " كَامِلًا ". وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَلْ يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيه مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، إذَا أَسْلَمَ ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي أَصْنَافٍ شَتَّى؛ مِائَةً فِي حِنْطَةٍ وَمِائَةً فِي شَعِيرٍ، وَمِائَةً فِي شَيْءٍ آخَرَ، فَخَرَجَ فِيهَا زُيُوفٌ، رَدَّ عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، عَلَى كُلِّ صِنْفٍ بِقَدْرِ مَا وَجَدَ مِنْ الزُّيُوفِ، فَصَحَّ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ.
وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، فِي مَنْ أَسْلَمَ أَلْفًا إلَى رَجُلٍ، فَقَبَّضَهُ نِصْفَهُ، وَأَحَالَهُ بِنِصْفِهِ، أَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِقَدْرِ نِصْفِهِ، فَحَسَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَلْفِ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ السَّلَمُ فِي النِّصْفِ الْمَقْبُوضِ، وَيَبْطُلُ فِي الْبَاقِي. فَأَبْطَلَ السَّلَمَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ، وَصَحَّحَهُ فِيمَا قَبَضَ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَبْطُلُ فِي الْحَوَالَةِ فِي الْكُلِّ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى: يَبْطُلُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ، وَيَصِحُّ فِيمَا قَبَضَ بِقِسْطِهِ؛ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
[فَصْلٌ قَبَضَ الثَّمَنَ فِي السَّلَم فَوَجَدَهُ رَدِيئًا فَرَدَّهُ وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ]
فَصْلٌ: وَإِنْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَوَجَدَهُ رَدِيئًا، فَرَدَّهُ وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ، بَطَلَ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ، وَيَبْتَدِئَانِ عَقْدًا آخَرَ إنْ أَحَبَّا. وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، فَلَهُ إبْدَالُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى