للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَلَا رِدَّتُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصِحُّ إسْلَامُهُ، وَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ؛ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ» . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُكْتَبَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ وَلَا شَيْءٌ، وَلَوْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ، لَكُتِبَتْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ، إنَّمَا يُكْتَبُ لَهُ، وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ أَمْرٌ يُوجِبُ الْقَتْلَ، فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ كَالزِّنَى وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ إنَّمَا صَحَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ مَصْلَحَةً، فَأَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ وَالتَّدْبِيرَ، وَالرِّدَّةُ تَمَحَّضَتْ مَضَرَّةً وَمَفْسَدَةً، فَلَمْ تَلْزَمْ صِحَّتُهَا مِنْهُ. فَعَلَى هَذَا، حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَرْتَدَّ، فَإِذَا بَلَغَ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ، كَانَ مُرْتَدًّا حِينَئِذٍ.

[مَسْأَلَةٌ الصَّبِيّ أَذَا ارْتَدَّ هَلْ يُقْتَلُ]

(٧١٠٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيُجَاوِزَ بَعْدَ بُلُوغِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى كُفْرِهِ قُتِلَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُقْتَلُ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ رِدَّتِهِ، أَوْ لَمْ نَقُلْ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ فِي سَائِر الْحُدُودِ، وَلَا يُقْتَلُ قِصَاصًا؛ فَإِذَا بَلَغَ، فَثَبَتَ عَلَى رِدَّتِهِ، ثَبَتَ حُكْمُ الرِّدَّةِ حِينَئِذٍ، فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهُ كَانَ مُرْتَدًّا قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ لَمْ نَقُلْ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَصْلِيًّا فَارْتَدَّ، أَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ صَبِيًّا ثُمَّ ارْتَدَّ.

[مَسْأَلَةٌ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ]

(٧١٠٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ، وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِمَا مِمَّنْ كَانُوا قَبْلَ الرِّدَّةِ رِقٌّ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَجْرِي عَلَى الْمُرْتَدِّ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَسَوَاءٌ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَقَامَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا لَحِقَتْ الْمُرْتَدَّةُ بِدَارِ الْحَرْبِ، جَازَ اسْتِرْقَاقُهَا؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَبَى بَنِي حَنِيفَةَ، وَاسْتَرَقَّ نِسَاءَهُمْ، وَأُمُّ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِهِمْ.

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى كُفْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ كَالرَّجُلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الَّذِينَ سَبَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ كَانُوا أَسْلَمُوا، وَلَا ثَبَتَ لَهُمْ حُكْمُ الرِّدَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْبَى. قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. فَأَمَّا أَوْلَادُ الْمُرْتَدِّينَ فَإِنْ كَانُوا وُلِدُوا قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَإِنَّهُمْ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَلَا يَتْبَعُونَهُمْ فِي الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، وَقَدْ تَبِعُوهُمْ فِيهِ، فَلَا يَتْبَعُونَهُمْ فِي الْكُفْرِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ صِغَارًا؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَلَا كِبَارًا؛ لِأَنَّهُمْ إنْ ثَبَتُوا عَلَى إسْلَامِهِمْ بَعْدَ كُفْرِهِمْ فَهُمْ مُسْلِمُونَ، وَإِنْ كَفَرُوا فَهُمْ مُرْتَدُّونَ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>