للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا يَكْمُلُ بِهِ الصَّدَاقُ؛ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ، وَنَظَرَ إلَيْهَا، وَجَبَ الصَّدَاقُ، دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ.» وَلِأَنَّهُ مَسِيسٌ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧] . وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِامْرَأَتِهِ فَكَمَلَ بِهِ الصَّدَاقُ، كَالْوَطْءِ. وَالْوَجْهُ الْآخِرُ: لَا يَكْمُلُ بِهِ الصَّدَاقُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ الْجِمَاعُ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧] أَنْ لَا يَكْمُلَ الصَّدَاقُ لِغَيْرِ مَنْ وَطِئَهَا، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، تُرِكَ عُمُومُهُ فِي مَنْ خَلَا بِهَا، لِلْإِجْمَاعِ الْوَارِدِ عَنْ الصَّحَابَةِ، فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ.

[فَصْلٌ دَفَعَ زَوْجَتَهُ فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا]

فَصْلٌ: إذَا دَفَعَ زَوْجَتَهُ، فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ صَدَاقِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ الصَّدَاقُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ عُذْرَتَهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَكَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ كَامِلًا، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] وَهَذِهِ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْمَسِيسِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا يَسْتَحِقُّ إتْلَافَهُ بِالْعَقْدِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ لِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عُذْرَةَ أَمَتِهِ.

وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَجِبَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ، عَلَيْهِ الصَّدَاقُ. فَفِيمَا إذَا فَعَلَهُ الزَّوْجُ أَوْلَى، فَإِنَّ مَا يَجِبُ بِهِ الصَّدَاقُ ابْتِدَاءً أَحَقُّ بِتَقْرِيرِ الْمَهْرِ. وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي مَنْ أَخَذَ امْرَأَتَهُ، وَقَبَضَ عَلَيْهَا، وَفِي مَنْ نَظَرَ إلَيْهَا وَهِيَ عُرْيَانَةٌ: عَلَيْهِ الصَّدَاقُ كَامِلًا. فَهَذَا أَوْلَى.

[فَصْلٌ دَفَعَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا]

(٥٦٢٢) فَصْلٌ: وَإِنْ دَفَعَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً، فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ غَيْرِهَا، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا. وَقَالَ: إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَذْرَاءَ، فَدَفَعَهَا هُوَ وَأَخُوهُ، فَأَذْهَبَا عُذْرَتَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَعَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَعَلَى الْأَخِ نِصْفُ الْعَقْرِ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِهِ الْحَسَنِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ بَكَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ جُزْءٍ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِ عِوَضِهِ، فَرُجِعَ فِي دِيَتِهِ إلَى الْحُكُومَةِ، كَسَائِرِ مَا لَمْ يُقَدَّرْ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْمُلْ بِهِ الصَّدَاقُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، فَفِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>