[مَسْأَلَةٌ كَيْفِيَّةُ وَصِفَةُ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَحْدُودِ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنَّ الرَّجُلَ يُضْرَبُ الْحَدّ قَائِمًا]
(٧٣٥٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي سَائِرِ الْحُدُودِ قَائِمًا بِسَوْطٍ لَا خَلَقٍ وَلَا جَدِيدٍ، وَلَا يُمَدُّ، وَلَا يُرْبَطُ، وَيُتَّقَى وَجْهُهُ) . وَقَوْلُهُ: فِي سَائِرِ الْحُدُودِ. يَعْنِي جَمِيعَ الْحُدُودِ الَّتِي فِيهَا الضَّرْبُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: (٧٣٥٣) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ الرَّجُلَ يُضْرَبُ قَائِمًا. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُضْرَبُ جَالِسًا. رَوَاهُ حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِالْقِيَامِ؛ وَلِأَنَّهُ مَجْلُودٌ فِي حَدٍّ، فَأَشْبَهَ الْمَرْأَةَ.
وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لِكُلِّ مَوْضِعٍ فِي الْجَسَدِ حَظٌّ - يَعْنِي فِي الْحَدِّ - إلَّا الْوَجْهَ وَالْفَرْجَ. وَقَالَ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ، وَأَوْجِعْ، وَاتَّقِ الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ. وَلِأَنَّ قِيَامَهُ وَسِيلَةٌ إلَى إعْطَاءِ كُلِّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ، وَقَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْقِيَامِ. قُلْنَا: وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْجُلُوسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَيْفِيَّةَ، فَعَلِمْنَاهَا مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يُقْصَدُ سَتْرُهَا، وَيُخْشَى هَتْكُهَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الضَّرْبَ يُفَرَّقُ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ؛ لِيَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ حِصَّتَهُ، وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي مَوَاضِعِ اللَّحْمِ، كَالْأَلْيَتَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ، وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ، وَهِيَ الرَّأْسُ وَالْوَجْهُ وَالْفَرْجُ، مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُضْرَبُ الظَّهْرُ، وَمَا يُقَارِبُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُضْرَبُ الرَّأْسُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْتَثْنِهِ.
وَلَنَا عَلَى مَالِكٍ قَوْلُ عَلِيٍّ؛ وَلِأَنَّ مَا عَدَا الْأَعْضَاءَ الثَّلَاثَةَ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ، فَأَشْبَهَتْ الظَّهْرَ. وَعَلَى أَبِي يُوسُفَ، أَنَّ الرَّأْسَ مَقْتَلٌ، فَأَشْبَهَ الْوَجْهَ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا ضَرَبَهُ فِي رَأْسِهِ، فَذَهَبَ بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَعَقْلِهِ، أَوْ قَتَلَهُ، وَالْمَقْصُودُ أَدَبُهُ لَا قَتْلُهُ.
وَقَوْلُهُمْ: لَمْ يَسْتَثْنِهِ عَلِيٌّ مَمْنُوعٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: اتَّقِ الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ صَرِيحًا، فَقَدْ ذَكَرَهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا اسْتَثْنَاهُ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ صِفَةُ جَلْدِ الْحُدُودِ]
(٧٣٥٤) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَمُدُّ، وَلَا يُرْبَطُ. وَلَا نَعْلَمُ عَنْهُمْ فِي هَذَا خِلَافًا. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ، وَلَا قَيْدٌ، وَلَا تَجْرِيدٌ. وَجَلَدَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا تَجْرِيدٌ. وَلَا تُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ، بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الثَّوْبُ وَالثَّوْبَانِ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْوٌ أَوَجُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ، نُزِعَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِالضَّرْبِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ تُرِكَتْ عَلَيْهِ ثِيَابُ الشِّتَاءِ مَا بَالَى بِالضَّرْبِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُجَرَّدُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِجَلْدِهِ يَقْتَضِي مُبَاشَرَةَ جِسْمِهِ. وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ نَعْلَمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِتَجْرِيدِهِ، إنَّمَا أَمَرَ بِجَلْدِهِ، وَمَنْ جُلِدَ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ فَقَدْ جُلِدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute