للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَبَتَ التَّخْيِيرُ فِيهَا إذَا كَانَ سَبَبُهَا مُبَاحًا ثَبَتَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ مَحْظُورًا، كَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْن قَتْلِهِ لِلضَّرُورَةِ إلَى أَكْلِهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ لِجَوَازِ الْحَلْقِ لَا لِلتَّخْيِيرِ.

[فَصْل الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الدَّمُ فِي حَلَقَ شَعْر الْحَاجّ]

(٢٦٤٢) الْفَصْلُ الرَّابِعُ، الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الدَّمُ أَرْبَعُ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، يَجِبُ فِي الثَّلَاثِ مَا فِي حَلْقِ الرَّأْسِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ شَعْرُ آدَمِيٍّ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّق بِهِ الدَّمُ كَالرُّبْعِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ الدَّمُ بِدُونِ رُبْعِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَلِهَذَا إذَا رَأَى رَجُلًا يَقُولُ: رَأَيْت فُلَانًا. وَإِنَّمَا رَأَى إحْدَى جِهَاتِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَقَ مِنْ رَأْسِهِ مَا أَمَاطَ بِهِ الْأَذَى وَجَبَ الدَّمُ. وَوَجْهُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْأَرْبَعَ كَثِيرُ، فَوَجَبَ بِهِ الدَّمُ كَالرُّبْعِ فَصَاعِدًا أَمَّا الثَّلَاثَةُ فَهِيَ آخِرُ الْقِلَّةِ وَآخِرُ الشَّيْءِ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ الرُّبْعَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكُلِّ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالرُّبْعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ يَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ وَالْقَلِيلَ.

[فَصْل شَعْرَ الرَّأْسِ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ فِدْيَةِ الْحَجّ]

(٢٦٤٣) الْفَصْلُ الْخَامِسُ أَنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّ شَعْرَ غَيْرِ الرَّأْسِ يَحْصُلُ بِحَلْقِهِ التَّرَفُّهُ وَالتَّنَظُّفُ، فَأَشْبَهَ الرَّأْسَ. فَإِنْ حَلَقَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ، فَفِي الْجَمِيعِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَثُرَ. وَإِنْ حَلَقَ مِنْ رَأْسِهِ شَعْرَتَيْنِ، وَمِنْ بَدَنِهِ شَعْرَتَيْنِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.

وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِيَةُ، أَنَّهُ إذَا قَلَعَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ مَا يَجِبُ الدَّمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا فَفِيهِمَا دَمَانِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ يُخَالِفُ الْبَدَنَ؛ بِحُصُولِ التَّحَلُّلِ بِهِ دُونَ الْبَدَنِ.

وَلَنَا، أَنَّ الشَّعْرَ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الْبَدَنِ، فَلَمْ تَتَعَدَّد الْفِدْيَةُ فِيهِ، بِاخْتِلَافِ، مَوَاضِعِهِ، كَسَائِرِ الْبَدَنِ وَكَاللِّبَاسِ، وَدَعْوَى الِاخْتِلَافِ تَبْطُلُ بِاللِّبَاسِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ كَشْفُ الرَّأْسِ، دُونَ غَيْرِهِ، وَالْجَزَاءُ فِي اللُّبْسِ فِيهِمَا وَاحِدٌ.

[فَصْل مِقْدَار الْفِدْيَة الْوَاجِبَة بِحَلْقِ الشَّعْر فِي الْحَجّ]

(٢٦٤٤) الْفَصْلُ السَّادِسُ، أَنَّ الْفِدْيَةَ الْوَاجِبَةَ بِحَلْقِ الشَّعْرِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، بِقَوْلِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «احْلِقْ رَأْسَك، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ، نِصْفُ صَاعٍ، أَوْ اُنْسُكْ شَاةً» . وَفِي لَفْظٍ: «أَوْ أَطْعِمْ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: «أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ بَيْنَ كُلِّ مِسْكِينَيْنِ صَاعٌ» . وَفِي لَفْظٍ: «فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ شِئْت فَتَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ. بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ» . رَوَاهُ كُلَّهُ أَبُو دَاوُد.

وَبِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَنَافِعٌ: الصِّيَامُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى عَشْرَةِ مَسَاكِينَ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>