للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ وَجَدَ مِحْرَابًا لَا يَعْلَمُ هَلْ هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِغَيْرِهِمْ، اجْتَهَدَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا يَجُوزُ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُعْلَمُ وُجُودُ ذَلِكَ. وَلَوْ رَأَى عَلَى الْمِحْرَابِ آثَارَ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُصَلِّ إلَيْهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْبَانِي لَهُ مُشْرِكًا مُسْتَهْزِئًا، يَغُرُّ بِهِ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ، وَيَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ أَنَّهُ مِنْ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَسْتَقْبِلَهُ.

[فَصْلٌ صَلَّى عَلَى جَبَلٍ عَالٍ يَخْرُجُ عَنْ مُسَامَتَةِ الْكَعْبَةِ]

(٦١٤) فَصْلٌ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلٍ عَالٍ يَخْرُجُ عَنْ مُسَامَتَةِ الْكَعْبَةِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى فِي مَكَان يَنْزِلُ عَنْ مُسَامَتَتِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُهَا وَمَا يُسَامِتُهَا مِنْ فَوْقِهَا وَتَحْتِهَا، بِدَلِيلِ مَا لَوْ زَالَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ إلَى مَوْضِعِ جِدَارِهَا.

[فَصْلٌ الْمُجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ]

(٦١٥) فَصْلٌ: وَالْمُجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ هُوَ الْعَالِمُ بِأَدِلَّتِهَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ أَدِلَّةَ شَيْءٍ كَانَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ، وَإِنْ جَهِلَ غَيْرَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِقْبَالِهَا بِدَلِيلِهِ، فَكَانَ مُجْتَهِدًا فِيهَا كَالْفَقِيهِ، وَلَوْ جَهِلَ الْفَقِيهُ أَدِلَّتَهَا أَوْ كَانَ أَعْمَى، فَهُوَ مُقَلِّدٌ وَإِنْ عَلِمَ غَيْرَهَا. وَأَوْثَقُ أَدِلَّتِهَا النُّجُومُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: ١٦] وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: ٩٧] .

وَآكَدُهَا الْقُطْبُ الشَّمَالِيُّ، وَهُوَ نَجْمٌ خَفِيٌّ حَوْلَهُ أَنْجُمٌ دَائِرَةٌ كَفَرَاشَةِ الرَّحَى، فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا الْفَرْقَدَانِ، وَفِي الْآخَرِ الْجَدْيُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أَنْجُمٌ صِغَارٌ، مَنْقُوشَةٌ كَنُقُوشِ الْفَرَاشَةِ، ثَلَاثَةٌ مِنْ فَوْقُ وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَسْفَلُ، تَدُورُ هَذِهِ الْفَرَاشَةُ حَوْلَ الْقُطْبِ، دَوَرَانَ فَرَاشَةِ الرَّحَى حَوْلَ سَفُّودِهَا، فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَوْرَةً، فِي اللَّيْلِ نِصْفُهَا وَفِي النَّهَارِ نِصْفُهَا، فَيَكُونُ الْجَدْيُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي مَكَانِ الْفَرْقَدَيْنِ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَأَوْقَاتِهِ، وَالْأَزْمِنَةِ، لِمَنْ عَرَفَهَا، وَعَلِمَ كَيْفِيَّةَ دَوَرَانِهَا، وَحَوْلَهَا بَنَاتُ نَعْشٍ مِمَّا يَلِي الْفَرْقَدَيْنِ تَدُورُ حَوْلَهَا، وَالْقُطْبُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، وَلَا يَتَغَيَّرُ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ سَفُّودُ الرَّحَى بِدَوَرَانِهَا.

وَقِيلَ: إنَّهُ يَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا يَسِيرًا لَا يَتَبَيَّنُ، وَلَا يُؤَثِّرُ، وَهُوَ نَجْمٌ خَفِيٌّ يَرَاهُ حَدِيدُ النَّظَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَمَرُ طَالِعًا، فَإِذَا قَوِيَ نُورُ الْقَمَرِ خَفِيَ، فَإِذَا اسْتَدْبَرْتَهُ فِي الْأَرْضِ الشَّامِيَّةِ، كُنْتَ مُسْتَقْبِلًا الْكَعْبَةَ.

وَقِيلَ: إنَّهُ يَنْحَرِفُ فِي دِمَشْقَ وَمَا قَارَبَهَا إلَى الْمَشْرِقِ قَلِيلًا، وَكُلَّمَا قَرُبَ إلَى الْمَغْرِبِ كَانَ انْحِرَافُهُ أَكْثَرَ. وَإِنْ كَانَ بِحَرَّانَ وَمَا يُقَارِبُهَا اعْتَدَلَ، وَجَعَلَ الْقُطْبَ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَدِلًا مِنْ غَيْرِ انْحِرَافٍ. وَقِيلَ: أَعْدَلُ الْقِبَلِ قِبْلَةُ حَرَّانَ. وَإِنْ كَانَ بِالْعِرَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>