للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ انْفِرَادُ الْوَاحِدِ بِهِ مَعَ لَطَافَةِ الْمَرْئِيِّ وَبُعْدِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَخْتَلِفَ مَعْرِفَتهمْ بِالْمَطْلِعِ وَمَوَاضِعُ قَصْدِهِمْ وَحِدَّةُ نَظَرِهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ حَكَمَ بِرُؤْيَتِهِ حَاكِمٌ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ؛ جَازَ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ؛ وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا، وَلَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا عَلَى مَا قَالُوهُ لَمْ يَصِحّ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، وَمَنْ مَنَعَ ثُبُوتَهُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، رَدَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ، وَقِيَاسُهُ عَلَى سَائِرِ الْحُقُوقِ وَسَائِرِ الشُّهُورِ، وَلَوْ أَنَّ جَمَاعَةً فِي مَحْفِلٍ، فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ؛ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا دُونَ مَنْ أَنْكَرَ، وَلَوْ أَنَّ اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ شَهِدَا عَلَى الْخَطِيبِ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ شَيْئًا، لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُمَا؛ لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا يُشَارِكُهُمَا فِي سَلَامَةِ السَّمْعِ وَصِحَّةِ الْبَصَرِ، كَذَا هَاهُنَا. (٢١٠٩)

فَصْلٌ: وَإِنْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ يَثِقُ بِقَوْلِهِ؛ لَزِمَهُ الصَّوْمُ. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِم؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ بِوَقْتِ الْعِبَادَةِ، يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ، أَشْبَهَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَبَرَ عَنْ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْخَبَرِ، وَإِنْ رَدَّهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْحَاكِمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَالِ الْمُخْبِرِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي عَدَمِ الْعَدَالَةِ، وَقَدْ يَجْهَلُ الْحَاكِمُ عَدَالَةَ مَنْ يَعْلَمُ غَيْرُهُ عَدَالَتَهُ. (٢١١٠)

فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ امْرَأَةً فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَبُولُ قَوْلِهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيّ. فَأَشْبَهَ الرِّوَايَةَ، وَالْخَبَرَ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَدُخُولَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تُقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ قَوْلُ امْرَأَةٍ، كَهِلَالِ شَوَّالٍ.

[مَسْأَلَةُ لَا يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّال إلَّا شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ]

(٢١١١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَلَا يُفْطِرُ إلَّا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ إلَّا شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ. فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ جَمِيعِهِمْ، إلَّا أَبَا ثَوْرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيْ شَهْرِ رَمَضَان، أَشْبَهَ الْأَوَّلَ، وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ، أَشْبَهَ الرِّوَايَةَ وَأَخْبَارَ الدِّيَانَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>