أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ، حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَأَحْكَامُهُمْ كُلُّهَا بَاقِيَةٌ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: انْقَطَعَ سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ تَعَالَى الْإِسْلَامَ وَأَغْنَاهُ عَنْ أَنْ يَتَأَلَّفَ عَلَيْهِ رِجَالٌ، فَلَا يُعْطَى مُشْرِكٌ تَالِفًا بِحَالٍ.
قَالُوا: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ. وَلَنَا، كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمُؤَلَّفَةَ فِي الْأَصْنَافِ الَّذِينَ سَمَّى الصَّدَقَةَ لَهُمْ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ فِيهَا، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ. وَكَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ كَثِيرًا، فِي أَخْبَارٍ مَشْهُورَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ» ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَةِ رَسُولِهِ إلَّا بِنَسْخٍ، وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ.
ثُمَّ إنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ بِنَصٍّ، وَلَا يَكُونُ النَّصُّ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْقِرَاضِ زَمَنِ الْوَحْيِ، ثُمَّ إنَّ الْقُرْآنَ لَا يُنْسَخُ إلَّا بِقُرْآنٍ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَسْخٌ كَذَلِكَ وَلَا فِي السُّنَّةِ، فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِمُجَرَّدِ الْآرَاءِ وَالتَّحَكُّمِ، أَوْ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً يُتْرَكُ لَهَا قِيَاسٌ، فَكَيْفَ يَتْرُكُونَ بِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا نَسَخَ حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ.
عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى لَا خِلَافَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ الْغِنَى عَنْهُمْ لَا يُوجِبُ رَفْعَ حُكْمِهِمْ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ عَطِيَّتَهُمْ حَالَ الْغِنَى عَنْهُمْ، فَمَتَى دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى إعْطَائِهِمْ أُعْطُوا، فَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَصْنَافِ، إذَا عُدِمَ مِنْهُمْ صِنْفٌ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، سَقَطَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ خَاصَّةً، فَإِذَا وُجِدَ عَادَ حُكْمُهُ، كَذَا هُنَا.
[فَصْلُ صَرْف الزَّكَاة إلَى غَيْر مَنْ ذَكَر اللَّهَ تَعَالَى]
(١٧٩٠) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى، مِنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالسِّقَايَاتِ وَإِصْلَاحِ الطُّرُقَاتِ، وَسَدِّ الْبُثُوقِ، وَتَكْفِينِ الْمَوْتَى، وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَضْيَافِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْبِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ: مَا أَعْطَيْت فِي الْجُسُورِ وَالطُّرُقِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَاضِيَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute