للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَاب السَّبْقِ وَالرَّمْيِ]

ِ الْمُسَابَقَةُ جَائِزَةٌ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. أَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَبَيْنَ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: مِنْ الْحَفْيَاءِ. إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ.

وَقَالَ سُفْيَانُ: مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ فِي الْجُمْلَةِ. وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ مُسَابَقَةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَمُسَابَقَةٌ بِعِوَضٍ. فَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَتَجُوزُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، كَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ، وَالسُّفُنِ، وَالطُّيُورِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَالْفِيَلَةِ، وَالْمَزَارِيقِ، وَتَجُوزُ الْمُصَارَعَةُ، وَرَفْعُ الْحَجَرِ، لِيُعْرَفَ الْأَشَدُّ، وَغَيْرِ هَذَا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَفَرٍ مَعَ عَائِشَةَ فَسَابَقَتْهُ عَلَى رِجْلِهَا، فَسَبَقَتْهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا حَمَلْت اللَّحْمَ، سَابَقْته، فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: هَذِهِ بِتِلْكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَسَابَقَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ. «صَارَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ، فَصَرَعَهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَمَرَّ بِقَوْمٍ يُرَبِّعُونَ حَجَرًا - يَعْنِي يَرْفَعُونَهُ لِيَعْرِفُوا الْأَشَدَّ مِنْهُمْ - فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ. وَسَائِرُ الْمُسَابَقَةِ يُقَاسُ عَلَى هَذَا.

وَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ بِعِوَضٍ، فَلَا تَجُوزُ إلَّا بَيْنَ الْخَيْلِ، وَالْإِبِلِ، وَالرَّمْيِ؛ لِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتُصَّتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِتَجْوِيزِ الْعِوَضِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِتَعَلُّمِهَا، وَإِحْكَامِهَا، وَالتَّفَوُّقِ فِيهَا، وَفِي الْمُسَابَقَةِ بِهَا مَعَ الْعِوَضِ مُبَالَغَةٌ فِي الِاجْتِهَادِ فِي النِّهَايَةِ لَهَا، وَالْإِحْكَامِ لَهَا، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْأَمْرِ بِهَا، وَالتَّرْغِيبِ فِي فِعْلِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» . وَرَوَى سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ خَالِدِ بْن زَيْدٍ، قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>