قَالَ: «شُكِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِرَاحَاتُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا، وَأَحْسِنُوا، وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزًا مِنْ التُّرَابِ، فَيَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مِثْلِ الْقَبْرِ الْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّ الْكَفَنَ حَائِلٌ غَيْرُ حَصِينٍ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ جُعِلَ لَهُمْ شِبْهُ النَّهْرِ، وَجُعِلَ رَأْسُ أَحَدِهِمْ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ، وَجُعِلَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ التُّرَابِ، لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ. أَوْ كَمَا قَالَ.
(١٦٧٩) فَصْلٌ: وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ يُدْفَنُونَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. قَالَ: أَمَّا فِي مِصْرٍ فَلَا، وَأَمَّا فِي بِلَادِ الرُّومِ فَتَكْثُرُ الْقَتْلَى، فَيَحْفِرُ شِبْهَ النَّهْرِ، رَأْسُ هَذَا عِنْدَ رِجْلِ هَذَا، وَيَجْعَلُ بَيْنهمَا حَاجِزًا، لَا يَلْتَزِقُ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ.
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ فِي الْغَالِبِ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَبْرٍ فِي الْمِصْرِ، وَيَتَعَذَّرُ ذَلِكَ غَالِبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَفِي مَوْضِعِ الْمُعْتَرَكِ. وَإِنْ وُجِدَتْ الضَّرُورَةُ جَازَ دَفْنُ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَأَكْثَرَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ، حَيْثُمَا كَانَ مِنْ مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ مَاتَ لَهُ أَقَارِبُ بَدَأَ بِمَنْ يَخَافُ تَغَيُّرَهُ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ بَدَأَ بِأَقْرَبِهِمْ إلَيْهِ، عَلَى تَرْتِيبِ النَّفَقَاتِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ قَدَّمَ أَنْسَبَهُمْ وَأَفْضَلَهُمْ.
[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ نَصْرَانِيَّةٌ وَهِيَ حَامِلَة مِنْ مُسْلِمٍ فَأَيْنَ تُدْفَن]
(١٦٨٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ مَاتَتْ نَصْرَانِيَّةٌ، وَهِيَ حَامِلَةٌ مِنْ مُسْلِمٍ، دُفِنَتْ بَيْنَ مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَقْبَرَةِ النَّصَارَى) اخْتَارَ هَذَا أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ، لَا تُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَتَأَذَّوْا بِعَذَابِهَا، وَلَا فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا مُسْلِمٌ فَيَتَأَذَّى بِعَذَابِهِمْ، وَتُدْفَنُ مُنْفَرِدَةً. مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهَا تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ، لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إلَى ظَهْرِهَا.
[مَسْأَلَةٌ خَلْعُ النِّعَالِ إذَا دَخَلَ الْمَقَابِرَ]
(١٦٨١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَخْلَعُ النِّعَالَ إذَا دَخَلَ الْمَقَابِرَ) . هَذَا مُسْتَحَبٌّ؛ لِمَا رَوَى بَشِيرُ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ، قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ، عَلَيْهِ نَعْلَانِ، فَقَالَ: يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ، أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك. فَنَظَرَ الرَّجُلُ، فَلَمَّا عَرَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute